عودة «الحرب الاستخباراتية» تُلقي بثقلها على الواقع اللبناني المأزوم

إسرائيل «تضْرب» في صيدا و«كادر سرّي» من «حماس» ينجو بـ «الصدفة»

1 يناير 1970 05:00 م

رغم الطابع الأمني لعملية تفجير سيارة مفخخة في مدينة صيدا، ظهر أمس، وارتباطها على الأرجح بضرباتٍ متبادَلة في إطار صراع «الأذرع الطويلة» بين الاسرائيليين والفلسطينيين، فإن الدخان الداكن الذي دَهَمَ المَشهد اللبناني من عاصمة الجنوب عزّز المخاوف المتزايدة من مفاجآتٍ قد لا تكون في الحسبان من شأنها «خرْبطة» الأولويات في لبنان الذي لم يغادر عيْن العاصفة الهائجة من حوله.
فعملية التفجير، التي نجا منها بـ «الصدفة» ناشِطٌ «سرّي» في حركة «حماس» يُعتقد أنه يضطلع بأدوار على صلة بملفّ الداخل الفلسطيني ويُعرف بأكثر من اسم ويقيم في أكثر من منطقة، تؤشر على فصلٍ جديد من «حرب الأدمغة» الاستخباراتية كانت مسرحه أمس مدينة صيدا المتاخمة لـ «عين الحلوة» أكبر المخيمات الفلسطينية وأكثرها استقطاباً لنشاط الحركات الفلسطينية مثل «فتح» و«حماس» و«الجهاد».
وسرعان ما وُجهتْ أصابع الاتهام لاسرائيل في محاولة اغتيال «الحمساوي الأمني» محمد عمر حمدان (34 عاماً) الذي أصيب بساقه في عمليةٍ شبيهة بما سبق أن نفّذه «الموساد» الاسرائيلي ضدّ مسؤولين في حركة «الجهاد الاسلامي» و«حزب الله» كانوا على تماسٍ مع العمل داخل المناطق الفلسطينية المحتلة، على غرار اغتيال الأخوين مجذوب في صيدا منتصف 2006، وعلي صالح في الضاحية الجنوبية لبيروت العام 2003 وغالب عوالي في الضاحية كذلك العام 2004.
وثمة انطباعٌ في بيروت بأن المبارزة بالحرب الأمنية دخلتْ مرحلة جديدة أخيراً مع كشْف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن تنظيمه اجتماعاتٍ مع المنظمات الفلسطينية بهدف تقديم المساعدة لها في إطار دعْم ما وصفه بـ «الانتفاضة الثالثة» في الأراضي المحتلة رداً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترماب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل.
وتعاطتْ الدوائر المراقبة في بيروت مع تفجير صيدا على أنه «جرس إنذار» لخطرٍ تتزايد مؤشراته كالغارات الاسرائيلية المتوالية على مخازن لـ «حزب الله» في سورية وغالباً عبر الأجواء اللبنانية، وإعلان نصر الله التحضير لـ «الحرب الكبرى»، وارتفاع حرارة التدافُع المتقابل على جبهة الجولان، الأمر الذي يُخشى معه من أي «دعسة ناقصة» تؤدي الى الانزلاق نحو المواجهة التي يتجنّبها «حزب الله» كما إسرائيل حتى الآن ولكنها قد تقع بحال حصول «سوء تقدير كبير» أو بـ... «قرار كبير».
هذا المناخ المستجدّ يضع لبنان الغارق في أزماته الداخلية أمام نوعيْن من التحديات الـ «ما فوق عادية» في اللحظة التي يتّجه وبخطى ثقيلة إلى انتخاباتٍ نيابية في مايو المقبل، وهما معاودة تطبيع علاقاته مع دول الخليج ولا سيما المملكة العربية السعودية، والحدّ من الاحتقان على حدوده الجنوبية، بالإضافة الى الوهج الدائم والضاغط للصراع الاقليمي الكبير الدائر من حوله.
ورغم أن محاولة اغتيال حمدان تحمل الطابع «الموْضعي»، إلا أن أوساطاً سياسية تخشى أن يجد لبنان، الذي كان يواجه في الأعوام الخمسة الأخيرة تشظيات أزمات المنطقة ولا سيما الحرب في سورية، نفسه «بين ناريْ» هذه الأزمات التي دخلت مراحل مفصلية والملف الفلسطيني الذي استعاد «وضعية الاشتباك» بعد قرار ترامب حول القدس، انطلاقاً من أدوار «حزب الله» على هذه الجبهات.
وكان تفجير مدينة صيدا الذي وقع في محلة البستان الكبير باغتَ «الأحد الشتوي» في لبنان منذ ان أعلنت «الأخبار العاجلة» عن انفجارٍ في عاصمة الجنوب. وبعد دقائق ساد معها القلق من ان تكون البلاد استعادتْ مرحلة الاغتيالات ذات الصلة بالصراع السياسي في لبنان بأبعاده الاقليمية والتي طبعت مرحلة 2005 - 2013، انكشف مع إخماد ألسنة النار التي حوّلت السيارة - الهدف (نوع بي ام دبليو) التي كانت مركونة في مرآب تابع لبناية «أبو سيدو» الى حطام متفحّم ان المستهدَف هو محمد عمر حمدان (مواليد 1984)، والدته ساجدة، وزوجته دعاء زكي عبدالله عرعراوي.
وبعد تضارُب في المعلومات حيال جنسية حمدان وطبيعة عمله، تَأكّد أنه كادر أمني في «حماس»، بيته في منطقة سيروب (صيدا) ويقيم في المبنى حيث استُهدفت سيارته ومعروف لجيرانه باسم «أمجد»، وذُكر انه استاذ كيمياء ودرس في الجامعة العربية وتردّد انه أستاذ في مدرسة «الإيمان» (صيدا) التي عادت ونفت ذلك. وهو نجا من الاغتيال بعدما لم يفتح باب سيارته مباشرة بل توجّه إلى صندوقها، وعندما فتحَه انفجرت عبوة الـ 500 غرام المحشوة بكرات حديد التي كانت موضوعة تحت مقعد السائق، ما أدى الى اقتصار إصابته على قدمه ونقلْه الى المستشفى التي نُشرت له صورة من داخلها.
وفيما ذكرت تقارير أن موقع الانفجار هو نفس مكان اغتيال الأخوين مجذوب العام 2006، أعلن المكتب الإعلامي لحركة «حماس» في لبنان في بيان له أن «انفجاراً استهدف ظهر الأحد في صيدا محمد حمدان، وهو كادر تنظيمي من كوادر الحركة في المدينة من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وأدى الانفجار الى إصابته بقدمه وتدمير سيارته وإلحاق الضرر بالمبنى، والمؤشرات الأولية تميل الى وجود أصابع صهيونية خلف هذا العمل الإجرامي».
وكان نائب المسؤول السياسي لحركة «حماس» في لبنان جهاد طه أوضح أنّ «محمد حمدان هو أحد أعضاء الحركة ويعمل في مكتب مسؤولها السياسي في لبنان أحمد عبد الهادي»، محملاً «العدو الإسرائيلي المسؤولية في استهداف حمدان»، لافتاً إلى أنّ «حاله مستقرة ويخضع للعلاج في أحد مستشفيات صيدا».
وإذ باشرتْ القوى الأمنية اللبنانية تحقيقاتها، أرخى هذا التطور بثقله على الواقع السياسي المشدود إلى «أزمة المرسوم» بين رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والتي تنتظر مصير مشروع حلّ طرحه بري ويتولى الاتصالات في شأنه رئيس الحكومة سعد الحريري ولم يقل عون بعد كلمته في شأنه بانتظار الاطلاع عليه رسمياً، وهي الأزمة التي بدأت تلقي بظلالها على مسار الانتخابات النيابية ولا سيما مع الكباش المحتدم على خط بري - «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) في شأن الإصلاحات في القانون الذي ستجري على أساسه والخلاف حول الحاجة الى تعديلات عليه تفادياً للطعن بنتائج الاستحقاق الانتخابي.