معالجة نفسية

التفكير الموازي

1 يناير 1970 06:28 ص

دخل أربعة اشخاص مكفوفين في غرفةٍ، فوجدوا في منتصف الغرفة شيئاً يعوق حركتهم فقاموا بلمسه كي يعرفوا ما هو. قال أحدهم انه عمود وقال الاخر لا انت مخطئ بالتأكيد فهي بلاشك مروحة يدوية. فرد عليهم الثالث بغضب واستغراب كيف تؤلفون هذا الكلام البعيد عن الواقع، فهو من دون شك مزراب الماء فقال الرابع كلكم مخطئون فهو ليس الا سريرا دافئا ناعما. ارتفعت أصواتهم بالشجار وكل يصر على رأيه ويعتقد أن الاخرين لا يفهمون ولا يدركون. سمعهم شخص يبصر فدخل الغرفة واستفسر عن الخلاف فسردوا عليه قصتهم. أجابهم كلكم مخطئون لأنكم رأيتم جزءاً من الحقيقة وتصورتم انكم امتلكتم الفهم الكامل له فما تختلفون حوله هو فيل وهو حيوان يعيش في الهند ولأنكم لم تروه سابقاً ولمستم جزءاً منه، ظن الذي لمس اقدامه بأنه عمود ومن لمس اذنيه الكبيرتين ظن انها مروحة والذي لمس خرطومه ظنه مزرابا والذي لمس ظهره ظن انه سرير.
هذه القصة من الناحية الاخلاقية استعارة على ان عدم الابصار هو الجهل والإصرار على امتلاك الحقيقة كلها وليس عدم الابصار الجسدي.
واما من الناحية المعرفية والعقلية فهي تبين نوعاً من التفكير- للأسف الشديد- هو السائد لدينا بقوة وهو التفكير المتعاكس. أي التفكير الذي يظن ان الذي يختلف معه لا يملك من الحق شيئاً والحق كله معه ومُلكٌ له. ولذلك نرى ان معظم حواراتنا غالباً لا تنتهي الى نتيجة مفيدة سواء على المستويات العامة مثل الحوارات الدينية والسياسية وحتى الرياضية او المستويات الخاصة مثل الحوار بين الأزواج او الحوار في الخلافات الاجتماعية او العائلية.
بينما لو تدربنا على نوع آخر من التفكير وهو التفكير الموازي لاستفدنا من الطاقات المختلفة واختلاف وجهات النظر والقدرات المعرفية المتفاوتة لتكوين نظرة شاملة.
ففي القصة السابقة لو استخدم الأشخاص الموجودون في الغرفة التفكير الموازي بدل التفكير المعاكس، وفكروا بأن كلا منهم لديه جزء من الحقيقة ولو ركبوا الأجزاء المختلفة سوف يصلون الى الحقيقة كاملةً ولما احتاجوا الى من يأتيهم من الخارج ويقول لهم ما تختلفون عنه هو فيل وليس أياً مما تقولون. لو فكروا للحظة واحدة بأنه قد يكون الحق مع الاخر ثم توقفوا عن الجدال وتساءلوا اذاً لماذا ما أراه يشبه المزراب وليس العمود واخذ يد الاخر ووضعها على المروحة واستفسر كل منهم واختبر الجزء الذي يتحدث عنه الاخر لاكتملت الصورة من دون صراع.
يجب أن نعلم بأن قدراتنا المعرفية والعقلية وتجاربنا ومعرفتنا قليلة مهما اجتهدنا ومهما كنا على قدر عال من الذكاء والفطنة والقدرة على رؤية الأمور من زوايا مختلفة، رغم كل ذلك لدينا نواقص في المعرفة (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، وكم من عالم ومختص ومثقف ومفكر وسياسي وحزبي و... الخ اعترف بعد 20 عاماً من الجدال بأن ما كان يقوله سابقاً ويدافع عنه بقوة لم يكن صحيحاً وانه غيّر آراءه الى رأي آخر. بينما لو من البداية سمح لنفسه بأن يتدبر في رأي الاخر ويضيفه الى مجموعة معارفه لما خسر كل تلك الطاقات والصداقات.
لو اعترفنا بأن قدراتنا محدودة وننظر الى الاخر ذي الرأي المخالف الى انه إضافة وليس عدوا لاختصرنا الكثير من الوقت ولأصبحنا يداً واحدة وقدرة هائلة.