مع الاحترام الكامل للأسماء الواردة في التشكيل الحكومي إلا أن الكويتيين أكدوا للمرة المليون أن القضية ليست بالأسماء بل بالنهج وحسن الإدارة والقدرة على تنفيذ المشاريع ومتابعة التنمية ومكافحة الفساد وتسريع الإصلاحات.
الكويتيون مقتنعون أنها حكومة الفرصة الأخيرة لسمو الرئيس الشيخ جابر المبارك، فالتراجع في عدد كبير من القطاعات واضح وضوح الشمس ولم تعد تخفيه حجج الممارسات النيابية. وإذا كانت الحكومة تعمل في ضوء النهار وفق الدستور والقانون ولخدمة البلد والناس فلن تخشى في القرارات لومة... نائب.
ويا سمو الرئيس، آن أوان إدراك أن صديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك. صديقك هو من وقف معك في القرار الصحيح مهما كانت دروبه شائكة لا من جاملك في قرار خاطئ وشجّعك على المُضيّ فيه بحجة أن دروبه سالكة.
صديقك من أظهر الدعم قولاً وفعلاً في الأزمات السياسية وليس من أظهرَ الموالاة طمعاً بمغانم ومناصب للأصدقاء والمحسوبين عليه.
صديقك هو مَن أبدى رأياً مخالفاً في الوقت الصحّ خوفاً على الصورة والسمعة والتجربة وليس من سخّر كل إمكاناته الإعلامية والسياسية وعلاقاته المحلية والخارجية للهجوم عليك في الوقت الخطأ فقط لأنك لم تنقذ مناقصة له أو لم تفتح الطريق أمام تعيينات محسوبة عليه.
صديقك هو مَن تقدّم بصدره للدفاع عن قرار اتخذته حتى ولو كان معارضاً له وليس أول القافزين من مركبك عند هبوب الريح للجوء إلى مراكب خصومك ومعارضيك.
عموماً، ندرك أن التجربة جعلت الرؤية أمامك أوسع مدى. ومع ذلك نتوقع منكم في التشكيل الجديد تجاوز عقد التشكيل السابق، وأهمّها صراعات عيال عمك التي شلّت العمل الحكومي وهزّت هيبة السلطة.
ونتوقع منك إعادة تثبيت التضامن الوزاري الذي انكشفت هشاشته مع فتح كل وزير «على حسابه» علاقات وخدمات متبادلة مع نواب وقوى سياسية، ونحن متأكدون من أن سموكم سيوعز إلى الجهات المختصة بالتفتيش عن مصدر الأموال التي دفعها هذا الوزير أو ذاك لجيوش المغرّدين لتلميع صورته والطعن بالآخرين والإساءة إلى ذمم خلق الله، فهل هي من جيبه أم من المال العام؟
ونتوقع منكم أن توجّهوا الوزراء إلى العمل، والعمل فقط، لخدمة القطاع الذي يتولون مسؤوليته وفق ما تقتضيه المسؤولية وخدمة الوطن والمواطن والقانون والدستور، ونكرر أمامكم أن متابعة الوزير هي من اختصاصكم أولاً قبل الآخرين، فإن قصّر أنتم مَن يتّخذ القرار بحقه من دون انتظار سؤال نيابي أو تحرك سياسي، ولتكن سابقة إقالتكم لوزير مقصّر سنّة في عهدكم يتعظ منها زملاؤه وتكسبكم قوة ومصداقية أمام السلطة التشريعية والرأي العام.
يبقى التغيير الأبرز في التشكيلة الجديدة دخول الشيخ ناصر صباح الأحمد نائباً أول لرئيس الوزراء ووزيراً للدفاع، فالرجل عدا عن كونه نجل صاحب السمو الأمير الذي بالتأكيد نهل من تجربته الكثير، إلا أنه أيضاً صاحب عدد كبير من الطروحات والنظريات الإصلاحية المتعلقة تحديداً بقضيتين: تطوير الحياة العامة سياسياً واقتصادياً، ومكافحة الفساد وتطهير الإدارات من الخلل والتجاوزات والمخالفات.
ويأمل الكويتيون من الشيخ ناصر الصباح الكثير، فقد صقلته التجربة وعركته الأيام وشاب على زمن مليء بالتطورات والأحداث العاصفة. لم يعد صغيراً في السن رغم ارتباط اسمه الدائم بالشباب وطموحاتهم ووثائقهم الإصلاحية وأمانيهم المستقبلية، ولذلك فهذه هي اللحظة المناسبة شخصياً ووطنياً لترجمة أطروحاته.
الرجل، باعتراف مخالفيه قبل مؤيديه، صاحب أفكار وطروحات غير تقليدية.
لا يداوي الألم بالمسكنات فقط ولا ينتظر كي تكون الجراحة آخر الحلول ويراهن على ثقافة مجتمعية قابلة للتفاعل مع أي قرار جريء. يصيب أو يخطئ في هذا الرهان؟ موضوع آخر، إلا أنه خبر مختلف المبادرات على المستويين السياسي والاقتصادي وكيف كانت مخرجاتها إما مشوّهة أو غير قابلة للحياة.
اليوم، المأمول من ناصر صباح الأحمد ألا تبقى نيابة رئاسة الوزراء موقعاً شرفياً كما كان يحصل لسنوات بل أن يحوّل المنصب شراكة حقيقية في المسؤولية والإدارة والإشراف والمتابعة.
وبعد تسلّمه حقيبة وزارة الدفاع، أي خط الدفاع الأول عن أمن الوطن وسلامة مواطنيه. المأمول منه أن يُحدث نهضة تطويرية في هذه المؤسسة الكبرى تشمل كل مرافقها كي تتشابه مع مثيلاتها في أرقى دول العالم وتتعدّد وظائفها على المستوى الوطني بدل اقتصارها على الثكن.
المأمول من الشيخ ناصر أن يبدأ ترجمة طروحاته في وزارة الدفاع. أن يُنقّي ملفات الصفقات والمناقصات والتعاملات فيها من الفساد. أن يفتح دفاتر المقاتلات والطائرات والمروحيات والدبابات. أن يقارن الأسعار التي دفعناها ودفعها غيرنا. أن يحدّثنا عن جدوى هذه الصفقات وضرورتها لتطوير قدراتنا القتالية. أن يكشف للكويتيين بشفافية وصراحة ومسؤولية حجم العمولات التي رافقت الصفقات وحجم البنود المرافقة المتعلقة بالصيانة والتدريب وهي بعشرات الملايين أو بالمئات ربما.
والمأمول من الشيخ ناصر أن يطوّر وظائف المؤسسة العسكرية في اتجاه إشراكها أكثر في مجالات التنمية خصوصاً وأنه صاحب فكرة مشروعي تطوير الجزر وطريق الحرير. بمعنى آخر أن يستفيد مثل الدول الكبرى من قطاعات الهندسة والمساحة والأشغال في المؤسسة العسكرية لتنفيذ بعض المشاريع، وهي فكرة ريادية ستُحسب له، ناهيك عن تحقيقها لمفهوم المشاركة والتوفير.
لا يريد الكويتيون من الشيخ ناصر صباح الأحمد سوى ترجمة ما تحدّث عنه مراراً. هنا الميدان وهنا الصلاحيات وهنا الرؤى وهنا المشاريع والقدرات، وهنا الناس متعطشة إلى نهج مختلف. أي أن الصلاحيات من جهة وتطلعات المواطنين من جهة أخرى متوافرتان لتعبيد مسيرة أي مسؤول ينوي ترك بصمة إصلاحية.
هذا هو المأمول من الشيخ ناصر... فهل يكون على مستوى الأمل؟ المسار هو الاختبار.
«الراي»