كتاب / إبحار فكري في أعماق التاريخ الإنساني
فيصل بن سويد يرصد... «الحضارة الصينية في التراث العربي»
1 يناير 1970
05:59 م
صدر كتاب «الحضارة الصينية في التراث العربي» لمؤلفه الكاتب والباحث فيصل بن سويد، والكتاب يضم مقدمة و15 فصلا وخاتمة، ويحتوي على مواضيع شيقة ومفيدة تهم القارئ والباحث عن مواضيع تتعلق بحضارة الصين التي تعد أعرق الحضارات الإنسانية، وبالتالي ربطها بطريقة ذكية ومدروسة بالتراث العربي.
يقول المؤلف في كتابه: «في هذا الكتاب سرت نحو سور الصين العظيم أحاول أن أتسلق أسواره أختلسُ النظر حول هذه الحضارة العظيمة، والتي يندر ذكرها في تراثنا العظيم. جمعت ما كتبه سلفنا عن هذه الحضارة والتي لم تنل حظها كما نالت بقية الحضارات، منتقياً المعلومات من كتب التراث، في مواضيع متعددة تبين ثراء هذه الحضارة العريقة، والتي استمرت آلاف السنين كما يذكر أحد المؤرخين العرب. وكذلك لنثبت أن حضارتنا لم تغفل عن جميع الحضارات في عصرها وما سبقها وأبدعوا بذكرهم وعلى رأس الحضارات الحضارة الصينية».
وتحدث السويد في فصول كتابه عن العلاقات بين الحضارتين، والحضارة الصينية، وكتابة أهل الصين، وعدل ملوك الصين، وحكمة ملوك الصين، وإبداعهم في الصناعة، ومدن صينية، وأول من دون عن الصين، والأديب الرحالة، وسعد الخير الأندلسي الصيني، وابن بطوطة في الصين، ومشاهير التجار والرحالة، وذكر الصين في البعد، وعجائب وغرائب، والصين في الشعر العربي.
وأشار المؤلف إلى الحضارة الصينية التي تعد من أعرق الحضارات، وتمتد إلى آلاف السنين، مشيرا إلى عوامل عديدة ساعدت في استمرار هذه الحضارة العريقة، على رأسها عدل ملوكها.
وترجيح العلامة محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى أن ذا القرنين عليه السلام من أهل الصين، والسبب «أن معظم ملوكهم كانوا أهل عدل وتدبير للمملكة».
وأورد المؤلف أقوالا تراثية عدة مثل قول ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ): «ملك الصين، وهو ملك الرعاية والسياسة واتقان الصنعة، وليس في ملوك العالم أكثر رعاية وتفقّدا من ملك الصين في رعيّته وجنده وأعوانه، وهو ذو بأس شديد، وقوّة ومنعة، له الجنود المستعدّة، والكراع والسلاح، وجنده ذو أرزاق».
وقول الراغب الأصفهاني (المتوفى: 502هـ): «أهل الصين أصحاب الأعمال، كالسبك والصياغة والإفراغ والإذابة والأصباغ العجيبة، والخرط والنحت والتصاوير، والخطّ والنسج ورفق الكف في كل ما تناولوه».
وقول ابن الوردي (المتوفى: 749هـ): «وَأهل الصين أحسن النَّاس سياسة وَأَكْثَرهم عدلا وأحذقهم فِي الصناعات... وهم حذاق بالنقش والتصوير يعْمل الصَّبِي مِنْهُم مَا يعجز أهل الأَرْض».
وقول الإمام السيوطي (المتوفى: 911هـ): «جعل الصناعة عشرة أجزاء؛ فتسعة منها في الصين وواحد في سائر الناس».
وتطرق المؤلف إلى الصين في العصر الحديث التي أخذت مكانتها التاريخية في الصناعة التي خسرتها قبل عقود طويلة.
وأن التجار العرب كانوا يفضلون الصين على غيرها، وأشتهر الطريق المسمى طريق العطور أو طريق الحرير والذي ربط الصين بالعالم بطريقين بري وبحري، وكانت مزدهرة في أيام السلم وفي أيام الحرب والفتن تتوقف.
ومن الأسباب الرئيسية التي جعلت العرب يفضلون الصين كنها اهتمامهم بالتجار ومن يزورهم وتهيئة سبل الراحة لهم بأساليب رائعة، ويقول الرحالة الشهير ابن بطوطة (المتوفى: 779هـ):
«وبلاد الصين آمن البلاد وأحسنها حالاً للمسافر، فإن الإنسان يسافر منفرداً مسيرة تسعة أشهر وتكون معه الأموال الطائلة فلا يخاف عليها، وترتيب ذلك أن لهم في كل منزل ببلادهم فندقاً عليه حاكم يسكن به في جماعة من الفرسان والرجال، فإذا كان بعد المغرب أو العشاء الآخرة جاء الحاكم إلى الفندق ومعه كاتبه فكتب أسماء جميع من يبيت به من المسلمين وختم عليها، وأقفل باب الفندق عليهم، فإذا كان بعد الصبح، جاء ومعه كاتبه فدعا كل انسان باسمه، وكتب بها تفسيراً، وبعث معهم من يوصّلهم إلى المنزل الثاني له ويأتيه ببراءة من حاكمه أن الجميع قد وصلوا إليه، وإن لم يفعل طلبه بهم، وهكذا العمل في كل منزل ببلادهم من صين الصين إلى خان بالق.
وفي هذه الفنادق جميع ما يحتاج إليه المسافر من الأزواد خصوصاً الدجاج والإوز، وأما الغنم فهي قليلة عندهم».
ومن أشهر التجار والرحالة سعد الخير الأنصاري (المتوفى:541هـ)، يقول الإمام الذهبي (المتوفى: 748هـ) عنه: الشيخ، الإمام، المحدث، المتقن، الجوال، الرحال، أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري، الأندلسي، البلنسي، التاجر.
سار من الأندلس إلى إقليم الصين، فتراه يكتب: سعد الخير الأندلسي، الصيني.
وكان من الفقهاء العلماء.
ولم تقتصر الرحلة إلى بلاد الصين على التجار والرحالة بل كانت هناك زيارة من أجل الصداقة !
يذكر ابن عساكر (المتوفى: 571هـ) في تاريخية قصة طريفة: رأى رجلا صديقا له بالكوفة فقال له: من أين؟
قال: من بغداد.
فقال: وإلى أين؟
قال: إلى الصين.
قال: وما تصنع؟
قال: أزور إلفا لي.
قال له: بعيد!
فأنشأ يقول:
بعيد على كسلان أو ذي ملالة
فأما على المشتاق فهو قريب
والحضارة الصينية من أقدم الحضارات يقول: الادريسي (المتوفى: 560هـ): «ملوك الصين لا يسمى أحد منهم إلا البغبوغ والبغبون أيضا بالنون من آلاف السنين إلى اليوم اسم يورث ويتداول بين الصينيّين».
والشاهد قوله آلاف السنين.