«ينبغي تحفيز المواطنين على التوجّه نحو القطاع الخاص»
صندوق النقد: على الكويت إصلاح سوق العمل
| كتب علي قاسم |
1 يناير 1970
01:16 ص
روديه: أهمية ادخار نسبة كافية من الثروة النفطية للأجيال القادمة
الضرائب تمثّل جزءاً أصغر من المعتاد من إجمالي الإيرادات
رأى رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لتقييم الأوضاع الاقتصادية في الكويت، ستيفان روديه، أن على الكويت الابتعاد تدريجياً عن نموذج النمو الذي يقوده القطاع العام والنفط، والتوجه نحو نموذج آخر قائم على تطوير القطاع الخاص والتنويع.
وخلال حلقة نقاشية عقدها صندوق النقد، أول من أمس، وترأسها المستشار الاقتصادي في الديوان الأميري، يوسف الإبراهيم، بمشاركة كل من نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، عاصم حسين، بيّن روديه أن هناك عدداً من العوائق المهمة التي لابدّ للكويت من تجاوزها.
ولفت إلى أنه وبالنظر إلى النطاق المحدود للوظائف في القطاع العام خلال الفترة المقبلة، فإنه ينبغي أن تقود إصلاحات سوق العمل والخدمة المدنية إلى تشجيع المواطنين على البحث عن وظائف في القطاع الخاص، مشيراً إلى الفرق الكبير بين الأجور في القطاعين، وغياب المحفزات التي تدفع المواطنين للتوجه لـ «الخاص».
وأوضح أن تقارب الأجور والمزايا في القطاعين من شأنه أن يخلق المزيد من الحوافز التي تدفع المواطنين إلى البحث عن وظائف في شركات القطاع الخاص، لافتاً إلى أن ذلك من شأنه أن يحدّ من تكاليف الأجور في «الخاص»، ويشجع الشركات على توظيف المواطنين، ويعزز القدرة التنافسية، ويحقق نمواً مرتفعاً وأكثر احتواءً إذا ما رافقه التعامل مع إصلاحات قطاع التعليم بطريقة تهدف إلى مواءمة أفضل بين مهارات الخريجين واحتياجات سوق العمل.
وأفاد روديه أن هناك خطوات أخرى تُعد جوهرية لتطوير القطاع الخاص، والتنويع الاقتصادي، وإيجاد الوظائف للمواطنين، وتشمل تعزيز الاعتماد على الخصخصة، ومشاريع الشراكة بين القطاعين، مبيناً أن هذه المشاريع تسهم في تقليص تأثير الدولة على الاقتصاد، وتهيئة الأرضية لمنافسة عادلة بين الجميع.
وأضاف أن من شأن ذلك أن يعزز المنافسة، ويشجع على تحقيق مكاسب في الإنتاجية والاستثمار، مشيراً إلى وجود حيز للمزيد من التحسين في مناخ الأعمال، وتيسير عملية إنشاء الشركات الجديدة، واستحداث الوظائف، منوهاً بالتقدّم الذي أحرزته الكويت في هذا السياق، مبرزاً المجالات التي قد تساعد خطوات أخرى على تعزيزها، منها تسهيل الحصول على التمويل، واستخدام الأراضي، وخصوصاً ما يتعلق بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، نظراً لما تمتلكه من إمكانات مهمة على صعيد إيجاد الوظائف، وتقليص عبء الإجراءات الإدارية، وتيسير الحواجز التجارية، والحد من فرط تشدد اللوائح، وتعزيز المنافسة، والتخفيف بشكل أكبر من القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر.
وأشار إلى أنه وفي ظل بيئة تسودها أسعار النفط المنخفضة على فترة أطول، فإن صندوق النقد يؤكد أهمية ادخار جزء كافٍ من الثروة النفطية للأجيال القادمة، كي يتيح للاقتصاد والمواطنين الاستمرار في العيش بازدهار حتى بعد نضوب الدخل من إيرادات النفط.
ولفت روديه إلى أن الإصلاحات من شأنها أن تساعد على التقليص تدريجياً من عجز الحكومة واحتياجاتها التمويلية بالتزامن مع إيجاد حيز للاستثمار المعزز للنمو على الأجل المتوسط، بهدف تقليص اعتماد الاقتصاد على النفط.
وأوضح أن فصل الإنفاق الحكومي عن الإيرادات النفطية المتقلبة من شأنه أن يساعد على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي عن طريق تفادي تقلبات كبيرة في الإنفاق بفعل التحركات الحادة لأسعار النفط.
ونوّه روديه بالجهود التي بذلتها الحكومة في الكثير من المجالات المهمة، لاسيما على صعيد كبح جماح الهدر في الإنفاق، ورفع أسعار البنزين والكهرباء، لافتاً إلى أن هناك عدداً من مجالات الإصلاح المهمة التي من شأنها أن تزيد من الوفورات الحكومية بشكل أكبر. وبيّن أن الإيرادات الضريبية في الكويت تمثل بشكل استثنائي جزءاً أصغر من المعتاد من إجمالي الإيرادات، مضيفاً أن الإصلاحات المزمعة على صعيد ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية على الإنتاج، والضريبة على الأرباح ستساعد على بناء قاعدة إيرادات غير نفطية، وبالتالي تقليل حجم التعرض للمخاطر الناجمة عن تحركات أسعار النفط.
وأبرز روديه أيضاً عدداً من مجالات الإنفاق التي يمكن تحقيق وفورات فيها عن طريق تقليص الهدر، وعدم الكفاءة في الإنفاق، مشيراً إلى أن إعادة توجيه هذه الوفورات نحو التعليم، والبنية التحتية، ومساندة الفئات الضعيفة، من شأنه أن يعزز من إيجاد الوظائف، وتوفير الفرص للجميع.
حسين
من جهته، أكد حسين أن آفاق النمو آخذة بالتحسن نوعاً ما في مختلف بلدان المنطقة، مشيراً إلى أن أحدث تقرير أصدره «صندوق النقد» حول آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يظهر وجود تباين في النمو لدى مجموعتين مختلفتين ضمن بلدان المنطقة.
وتوقّع أن ينخفض معدل النمو الكلي في البلدان المصدرة للنفط إلى ما دون 2 في المئة بسبب خفض الإنتاج النفطي بموجب اتفاق «أوبك»، وذلك على الرغم من حصول تحسن في معدل النمو غير النفطي الذي وصل إلى 2.6 في المئة خلال السنة الحالية.
وفي المقابل، لفت حسين إلى استمرار تعافي النمو في البلدان المستوردة للنفط ليصل إلى أكثر من 4.25 في المئة هذا العام، وهو ما يعكس التعافي العالمي عموماً، وزيادة قوة الصادرات، والاستثمار الأجنبي، وارتفاع إيرادات قطاع السياحة.
وأشاد حسين بالتقدّم الذي يتم إحرازه في تعديل أوضاع المالية العامة في المنطقة، وخصوصاً في البلدان المصدرة للنفط، حيث أدى التراجع الحاد في أسعار النفط إلى ظهور حالات عجز كبيرة.
في المقابل، شدّد حسين على استمرار خفوت آفاق النمو على الأجل المتوسط، وخصوصاً في ضوء التحديات المتعلقة بإيجاد الوظائف في المنطقة، لافتاً إلى أن التوقعات التي وضعها صندوق النقد تشير إلى حصول زيادة طفيفة في النمو على الأجل المتوسط بالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، ولكن تظل هذه الزيادة دون المستوى الذي تحقق في الماضي.
وأضاف أن آفاق النمو في البلدان المصدرة للنفط ظلت ضعيفة نسبياً في بيئة تشهد استمرار أسعار النفط المنخفضة لفترة أطول، وهو ما يعني ضمنياً الحاجة إلى بذل الجهود من أجل ضبط أوضاع المالية العامة.
وتوقّع حسين انضمام ما بين 20 و25 مليون شاب وشابة إلى سوق العمل بحلول العام 2022، مبيناً أن استيعاب هذه الزيادة السريعة يقتضي تحقيق نمو أكبر يكون مدفوعاً بالقطاع الخاص، وحافلاً بفرص العمل بما يكفل إتاحة الفرص للجميع.
وأبرز عدداً من مجالات الإصلاح التي اعتبرها جوهرية لتحقيق تلك الأهداف، حيث أكد على الحاجة إلى تحسين نوعية التعليم وجودته، موضحاً على وجه الخصوص طبيعة التدريب المطلوب لتلبية احتياجات القطاع الخاص التي قد تختلف عن احتياجات الحكومة.
وفي حين أكد أن الأمر يستلزم زيادة الإنفاق على التعليم في بعض البلدان، أوضح حسين أن مفتاح الحل في بلدان أخرى يكمن في تحسين جودة النظام التعليمي عن طريق إعادة توجيه الإنفاق.
وأوضح أن بلداناً من خارج العالم العربي تحرز تقدماً بوتيرة أسرع من البلدان العربية التي تظل عرضة للتأخر عن اللحاق بركب التقدم مقارنة بتلك البلدان، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى زيادة صعوبة جذب الاستثمار الأجنبي الذي يتدفق بطبيعة الحال إلى أفضل بيئة مواتية للأعمال.
وأكد حسين أهمية تعزيز فرص الحصول على التمويل، لاسيما في البلدان المصدرة للنفط، على الرغم من تطور الأسواق المالية فيها، ما من شأنه أن يعزز فرص الحصول على الائتمان، وخصوصا بالنسبة للمشروعات المتوسطة والصغيرة.
وأفاد أنه يمكن للاندماج الأكثر عمقاً في سلاسل التوريد العالمية أن يخلق الوظائف، لا سيما مع بدء تعافي النمو الاقتصادي العالمي، مشيراً إلى أن الكويت وقطر من أكثر دول الخليج اندماجاً في سلاسل التوريد العالمية.
الإبراهيم: الإصلاح يكتسي أهمية كبيرة
أكد الإبراهيم أن موضوع إصلاح القطاع الاقتصادي والمالي يكتسي أهمية كبيرة في البلدان العربية، لاسيما في ظل استمرار النزاعات في المنطقة، وأزمة اللجوء فيها، والمناخ الذي يشهد استمرار أسعار النفط المنخفضة لفترة أطول، وخصوصا بالنسبة لبلدان مجلس التعاون الخليجي.
وأشار إلى أن التحدي المشترك الذي يواجه الكثير من بلدان المنطقة يكمن في تصميم برامج الإصلاح، وتنفيذها بما يساعد على تخفيض معدلات البطالة والفقر، وضبط أوضاع المالية العامة، وزيادة النمو بأسلوب احتوائي ومستدام ومنصف.
وأفاد الإبراهيم أن هذه الحلقة النقاشية هي الحلقة السابعة ضمن سلسلة المنتديات النقاشية رفيعة المستوى التي ينظمها مركز «صندوق النقد» بالاشتراك مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وتهدف إلى مناقشة مستجدات القضايا الاقتصادية التي تشكل محط اهتمام خاص لواضعي السياسات والباحثين في الكويت والعالم العربي عموماً.