خيرالله خيرالله / الدور الجديد لميشال عون!
1 يناير 1970
02:15 م
المشكلة ليست في ميشال عون. ميشال عون معروف بأنه سياسي عندما يتطلب الأمر أن يكون عسكرياً، وعسكري عندما يكون مطلوباً أن يكون سياسياً. هذا ما أثبتته تجارب الماضي القريب بالملموس. هناك كثيرون على شاكلته في كل بقعة من بقاع العالم. هناك كثيرون يصلون إلى مواقع سياسية من خلال الغوغاء. تكمن المشكلة في أن يبقى لبناني واحد مع عون عندما يطرح استراتيجية دفاعية للبنان لا علاقة لها بلبنان، ولا بما يدور في المنطقة، استراتيجية تريد أن تلقي على لبنان كل أعباء الصراع العربي- الإسرائيلي على غرار ما كان مطلوباً من «اتفاق القاهرة» سعيد الذكر!
غريب أن يكون هناك ولو لبناني واحد، باستثناء عناصر «حزب الله»، على استعداد لتصديق النائب اللبناني، أو أخذه على محمل الجد بعد طرحه الاستراتيجية لدى انعقاد هيئة الحوار الوطني في قصر بعبدا. مفهوم أن تؤيد عناصر «حزب الله» طرح الأستاذ عون، الذي تحوّل أستاذاً في الاستراتيجية العسكرية ومفهوم الاستراتيجيات عموماً، على الرغم من ضحالة فكره، وركاكة اللغة التي يستخدمها، والمهازل التي أدت إليها معاركه العسكرية. هذا أمر مبرر، أقله من زاويتين. الأولى أن القائد السابق للجيش اللبناني الذي لم يجرّ على لبنان واللبنانيين، والمسيحيين خصوصاً سوى الهزائم والويلات التي لحقت بهم وبأخوتهم من كل الطوائف والمذاهب والمناطق، قرأ نصاً وضعه له الحزب الذي استأجره منذ فترة لا بأس بها. أما الزاوية الأخرى فأنها تتمثل في أن الحزب ليس سوى لواء في «الحرس الثوري الإيراني» يبحث عن غطاء مسيحي لسلاحه المذهبي، الذي يشكل في واقع الحال سلاحاً في خدمة الاستراتيجية الإيرانية أوّلاً، والمحور الإيراني-السوري ثانياً. هل أفضل من ميشال عون، الذي لم يتقن في حياته دورا سوى دور الأداة يوفّر مثل هذا الغطاء لسلاح غير شرعي على استعداد ليوجه إلى أهل بيروت، والجبل، واغتيال ضابط طيار تجرأ على التحليق في هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني فوق الأراضي اللبنانية؟
لدى وضع سلاح «حزب الله» جانباً، واعتباره جزءاً لا يتجزأ من المحاولة التي تبذل لاخضاع لبنان، يصبح كل ما تبقى مجرد تفاصيل لا معنى ومحاولة للهرب من الموضوع الأساسي المتمثل في سؤال واحد: ما العمل بسلاح الحزب الذي يشكل الخطر الأكبر على مستقبل لبنان، ووجوده كدولة مستقلة، ومجتمع منفتح على كل ما هو حضاري في العالم، بدل أن يكون لبنان «الساحة». أنها «الساحة» التي تعمل إيران والنظام السوري التابع لها من أجل استخدامها ورقة في لعبة تستهدف عقد صفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، على حساب لبنان واللبنانيين، والعراق والعراقيين، وفلسطين والفلسطينيين، وكل ما تقع عليه يد نظام الملالي في المنطقة الممتدة من أقصى أفغانستان إلى موريتانيا والسودان.
ما لا يزال مستغرباً أن يكون هناك لبناني واحد، مرتبطا بلبنان ولديه حد أدنى من الولاء للبنان، يقف مع ميشال عون، أي مع الشخص الذي يُستخدم في تنفيذ أكبر جريمة يتعرض لها لبنان أرضاً وشعباً ومصيراً ومؤسسات عبر فرض اتفاق جديد على اللبنانيين شبيه بـ «اتفاق القاهرة» الذي ألغاه مجلس النواب اللبناني في العام 1987 من القرن الماضي. من يتمعن في تصرفات القائد السابق للجيش اللبناني الذي تسبب بكل هذه المصائب للبنانيين، لا بد أن يتذكر رجلاً شجاعاً اسمه العميد ريمون أده، رحمات الله عليه، وقف بشجاعة لا مثيل لها في وجه «اتفاق القاهرة» في العام 1969 ساعياً إلى انقاذ لبنان من قيام دولة داخل الدولة. لا شك أن لبنان تعرض وقتذاك لضغوط ضخمة، خصوصاً من العرب الذين أرادوا تحميله كل ذنوبهم، وخطاياهم وأخطائهم دفعة واحدة وحتى هزيمة العام 1967. وحده ريمون أده وقف في وجه الخطر الذي مثله الاتفاق فيما كان رئيس الوزراء اللبناني وقتذاك الشهيد رشيد كرامي يضغط بدوره على رئيس الجمهورية الضعيف شارل حلو. كان رشيد كرامي يضغط ، تحت مزايدات الشارع، من أجل الموافقة على «اتفاق القاهرة» المشؤوم الذي لا يزال النظام السوري يتذرع به إلى الآن لتبرير وجود قواعد فلسطينية مسلحة على الأراضي اللبنانية.
تمثل الاستراتيجية التي تلاها ميشال عون، نيابة عن «حزب الله»، محاولة لفرض ما هو أسوأ من «اتفاق القاهرة» على لبنان واللبنانيين. أنها محاولة لجعل الجيش اللبناني خاضعاً لاستراتيجية ميليشيا حزبية مسلحة ذات لون طائفي فاقع مرتبطة بحزب ولاية الفقيه. لو كان «حزب الله» يرفض فعلاً العودة إلى «اتفاق القاهرة» أو إلى ما هو أسوأ منه لكان أقدم على خطوة في اتجاه تأكيد رفضه الموقف السوري من القواعد العسكرية الفلسطينية داخل الأراضي اللبنانية. كان ذلك سيعيد إليه الاعتبار لبنانياً من جهة، كما سيظهر من جهة أخرى أنه ليس على استعداد للعب الدور الذي كانت تلعبه المنظمات الفلسطينية المسلحة على الأراضي اللبنانية... وهو دور صبّ في كل وقت في مصلحة تخريب الوضع اللبناني، وضرب الاستقرار، وتبرير التدخل السوري في البلد. هذا التدخل الذي توج في العام 1976 بإعطاء هنري كيسينجر الضوء الأخضر الأميركي، بموافقة إسرائيلية، على دخول الجيش السوري إلى لبنان بهدف «وضع اليد على قوات منظمة التحرير الفلسطينية»، على حد تعبير كيسينجر نفسه في تلك الأيام. التاريخ يعيد نفسه، مع فارق أن لبنانيين تابعين لإيران يلعبون هذه المرة الدور الذي كانت تلعبه المنظمات الفلسطينية في الماضي معتمدة على «اتفاق القاهرة». المؤسف أن ميشال عون يلعب دور محاولة تمرير «اتفاق القاهرة» الجديد الذي فشل جزئياً في تمريره عبر البيان الوزاري للحكومة الحالية، التي يناضل الشرفاء من أعضائها من أجل أن يكون كل سلاح في كنف الدولة اللبنانية ومؤسساتها. هل يعي اللبنانيون خطورة الدور الجديد لميشال عون، هل يتذكرون في هذه الأيام رجلاً اسمه ريمون أده يملك كل صفات الوطنية الحقة، ونظافة الكف والصدق، أي كل الصفات التي لا علاقة للمنظّرين لـ «اتفاق القاهرة» الجديد بها؟
كلمة أخيرة. إذا كان مستغرباً، أن يكون هناك لبناني لا يزال مؤيداً لميشال عون، ليس مستغرباً أن يلعب الجنرال الدور الجديد الذي يؤديه بكفاءة قل نظيرها في الترويج لـ «اتفاق القاهرة» الجديد. من يقبل الاستفادة من استشهاد بيار أمين الجميّل لتحقيق مكاسب سياسية، يستطيع أن يفعل كل شيء، وأن يلعب كل الأدوار المطلوبة منه... من أجل تدمير لبنان، وتهجير مزيد من المسيحيين من أرضهم. ما الذي يمكن قوله في شخص يقبل الاستفادة من جريمة ذهب ضحيتها شاب يرمز إلى لبنان الجديد، وإلى كل ما هو حضاري في لبنان؟
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن