خواطر صعلوك

استدعاء ولي أمر!

1 يناير 1970 11:34 ص
هذا مقال موجه بالدرجة الأولى إلى أولياء الأمور غير المهتمين بأن يكون لأبنائهم سلوك لائق مع معلميهم، وبدرجة رجال الأعمال إلى أولياء الأمور المهتمين بإعداد أبنائهم في فترة ما قبل المدرسة، وبالدرجة السياحية إلى قارئ تورط بين كاتب وولي أمر ربما لن يقرأ هذا المقال أصلا!

عزيزي القارئ اربط حزام الأمان لكي تقلع معي في رحلة لا تخصك...رغم أنها تخصك!

يتساءل أحد الروائيين عن سبب بكاء بعض المثقفين لمصير آنا كارنينا في رواية تولستوي وهي شخصية وهمية، أو التأثر إلى حد الانهيار والهبل بمصير الشاب فيرتر في رواية غوته بينما لا يحدث التأثر نفسه والحزن على شخصيات حقيقية بلحم ودم وليس بحبر وورق، مثل معلم تتم إهانته من طالب ثم من ولي أمره ثم الذهاب للشؤون القانونية أو المخفر ليهدد في مستقبله.

لذلك، وبناء على رغبة بعض المعلمين الذين تعرضوا لإهانة مباشرة من طالب ثم وجود دعم غريب لهذه الإهانة من ولي الأمر، ولا يريدون لأنفسهم أن تكثر عليهم الشكاوى وتشفق عليهم المخافر بسبب رد فعل غير مناسب تجاه طفل بنى أبواه في رأسه قناعات وقيماً ومبادئ سيئة تجاه المجتمع المدرسي وتجاه معلميه مع فهم أعوج في الحياة...كان هذا الاستدعاء لولي الأمر...لأن المسؤول الأول هم الآباء وليس الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم بعد، فمن الممكن أن تتعامل المدرسة مع سلوكيات خاطئة لطفل، ولكنها لا تستطيع معه صبرا بوجود مساندة خرقاء من ولي أمره!

استدعاء ولي أمر:

إلى السيد الفاضل ولي أمر الطالب فلان الفلاني الذي يظهر باستمرار قدرات خارقة في عدم احترامه لمعلمه أو مدرسته أو النظم والقوانين التي اتفق عليها المجتمع.

نرجو منك الحضور للضرورة القصوى لمناقشة ما يمكن عمله نتيجة تربية خاطئة قدمتها لابنك ما جعله بشكل أو بآخر غير قادر على التمييز بين القدرة على التعبير وبين الوقاحة.

إن مهنة المعلم هي دور تنموي يقوم به إنسان لكي ينقل لإنسان أصغر منه سناً وأقل منه تجارب، مجموعة من القيم والمعارف والاتجاهات التي تمثل الهوية المشتركة وما اتفق عليه أجيال لكي يورثوه لأجيال قادمة، ولا علاقة للمهنة بجنسية أو مستوى دخل أو حتى خطاب سياسي تجاري كظاهرة تساعد على رفع مستوى «الحول» في البصر والبصيرة.

لا شك أن أي مجتمع مدرسي فيه من المشاكل ما يمس الطالب وما يمس المعلم، سواء في شكل التعامل أو العلاقة أو التواصل.

وأحياناً يكون المعلم على خطأ بسبب الغفلة، وأحياناً يكون الطالب على خطأ بسبب خصائص المرحلة العمرية، ولكن عندما يأتي إليك ابنك في البيت ليحكي لك عن حادثة حصلت بينه وبين معلمه أو مدير مدرسته أو حتى ممرض العيادة، فإن ما تقدمه لابنك من دعم مثل أن تقول له ان لديك القدرة على أن تشتكي معلمه في المخفر وتبهدله في الوزارة لأي سبب كان، أو أن تصدقه في كل ما يقول من دون أن تسمع من المدرسة كلمة واحدة، ثم بعد ذلك تطلق للسانك العنان في السب واللعن أمام ابنك على الهيئة التعليمية، أو أن تعلمه أن يرد الصراخ بصراخ، وتكسبه مهارة التفريق بين معلمه الكويتي وبين غير الكويتي، فأحب أن أبلغ سيادتك أنك بذلك تقوم بعملية دعم أخرق وخطير على ثلاثة مستويات تتعلق بابنك:

أولاً: على المستوى العقلي حيث تشير الدراسات إلى أن الفص الجبهي من دماغ الطفل الذي في عمر من 10 إلى 15عاماً ما زال يتطور وهو جزء مسؤول عن استخدام الحكم وكبح الرغبات المتهورة وتحقيق التوازن بين الغريزة والتسرع، وأنت بهذا الدعم غير السوي تضع بذرة في هذا الفص الدماغي ستنمو حتى تصبح شجرة معلونة في المجتمع لم يهذبها أحد.

ثانياً: على المستوى الاجتماعي حيث إن ابنك في هذه المرحلة العمرية يبدأ في إنشاء دوائر من الأصدقاء داخل المدرسة في شكل شلل تتقاطع مع اهتماماته، وبدعم أعوج كالذي تقدمه له في حالة وقوعه في مشكلة داخل المدرسة فأنت بذلك تشير له بيد إلى ألا يتحمل عواقب أفعاله وتشير له باليد الأخرى إلى دائرة الأقران التي سيتأثر بها طوال حياته.

ثالثاً: على المستوى الذاتي حيث يبدأ ابنك في هذه المرحلة العمرية عن التساؤل حول الأعراف والقوانين التي تحكم المجتمع، وعندما يجدك تعمل على إهانة معلمه أو كسر هوية مشتركة تعارف عليها أجدادك في احترام معلميهم، فأنت بذلك تجعله يدخل في صراع مع ما يراد له أن يفعله وبين ما هو واقع وممارس من أقرب الناس إليه.

إن المدرسة ليست مؤسسة تعليمية فقط ولكنها مؤسسة اجتماعية أيضا، وما يمارس فيها خارج الصف الدراسي أكثر مما يمارس داخل الصف الدراسي، ومن الطبيعي أن يمر ابنك بمجموعة من الخبرات الاجتماعية المتمثلة في مشكلة يقع فيها، أو شكل علاقة يمر بها، أو حادثة تسبب له الحرج أو الضيق، ومن الطبيعي أيضا أن تمارس دورك كولي أمر داعم ومساند لابنك خلال رحلته الدراسية، لكن الخطير جداً هو أن تأتي للمدرسة وأنت تتبنى وجهة نظر ابنك في مشاكله أو تبريراته...فعليك أن تحتوي وجهة نظره لا أن تحتويك، فابنك هو نتاج وعيك ولست أنت نتاج وعيه،فقدم دعماً يليق بولي أمر يربي.

وإذا لم يعجبك كلامي هذا، فلن أقول لك إن ابنك مفصول من المدرسة، ولكن يبدو أنه سيصبح مفصوماً في الحياة!

كاتب كويتي

moh1alatwan@