واضح
النقد والانتقاد... هل هو إدمان؟
| محمد صالح السبتي |
1 يناير 1970
12:55 م
• لو جلس أربعة أشخاص في مجتمعاتنا، لكان جلّ حديثهم في الانتقاد. انتقاد أي شيء في أي شيء. سينتقدون أداء الحكومة في بلادهم وأداء البرلمان والأحزاب السياسية، وينتقدون أداء الصحف والإعلام ويهاجمون وضع مواقع التواصل الاجتماعي وأوضاع الطرق والمواصلات وينتقدون بعض أو كثير من السلبيات في المجتمع ووضع النوادي الرياضية. سينتقدون تصرفات بعض أصدقائهم ووضع الأمم المتحدة مع قضايا الشعوب وسينتقدون سياسات بعض الدول، وربما انتقدوا الطقس والأجواء. ولو انصرف أحد هؤلاء الأربعة قبل البقية، فسيشتغل الثلاثة الباقون على انتقاد بعض تصرفات صاحبهم الذي انصرف ايضاً!
• في الأسرة الواحدة لو جلس ثلاثة من الأقارب... في الغالب أن بعضاً أو أغلب حديثهم سيكون إضافة إلى ما سبق في نقد تصرفات أحد أفراد العائلة. ولو جلس أحد هؤلاء الثلاثة مع هذا الشخص الذي كان محل انتقاد، فسيمارسان دور النقد على غير الموجودين. وهكذا تدور طاحونة الانتقاد في المجتمع على كل شيء تقريباً.
• قبل اسبوعين قررت أن اترك انتقاد أي شيء أو أي شخص كتجربة، مع علمي أن الانتقاد ليس مذموماً كله. اكتشفت وأنا أخوض هذه التجربة أننا نعيش حالة ادمان متقدمة جداً. نحن مدمنون على النقد والانتقاد. فوجئت أنني بحاجة لتذكير نفسي كل بضع دقائق تقريباً عن تجربتي لترك الانتقاد، لأني لو لم أذكرها فسأقع في نقد شيء ما! اكتشفت أننا كمجتمعات نقضي أكثر وقتنا وجهدنا وفكرنا وطاقتنا في الانتقاد، انتقاد كل شيء تقريباً! وجدت صعوبة بالغة في تعليم نفسي ترك الانتقاد مع أني أعتبر نفسي أفضل حالاً من كثير من أفراد المجتمع في ادمان الانتقاد... إنه إدمان فعلاً لا مجرد عادة!
• البعض يقول ان هذا الانتقاد الدائم بسبب سوء الأوضاع وأنه محاولة للإصلاح ونوع من أنواع التنفيس، وليست كل هذه الأعذار سوى خدع نفسية للهروب من مواجهة واقع ادماننا، لأنها لو صحت فما هو سبب نقدنا الدائم للأشخاص أقرباء وأصدقاء على قراراتهم وحياتهم الشخصية... الحقيقة أننا مدمنون!
• إدمان الانتقاد هذا يحتوي على آفات وأمراض عدة باتت تفتك في كيان المجتمعات. سطحية بلهاء. قلة معلومات وزهد شديد حتى في الاستماع فضلا عن التعلم. غرور مخزٍ. فالكل يظن نفسه في قمة الفهم والعلم والرأي الصائب. تضع هذا كله في وعاء وتضيف عليه جرأة على الطرح والكلام ممن لا يملك أدنى مراتب الفهم. باختصار هذا هو وضع مجتمعاتنا، وهروباً من كل هذه النقائص، نحن ندمن الانتقاد! lawyermodalsbti