كانت ولادتي في بنت جبيل جنوب لبنان

أحمد حسين بيضون: ثمانية وثلاثون عاماً وأنا صيدلي في وزارة الصحة

1 يناير 1970 11:22 ص
إعداد : سعود الديحاني

 ضيفنا اليوم قدم الكويت وهو طفل صغير فترعرع ونشأ على هذه الأرض الطيبة وأدرك كثيرا من معالمها القديمة، يحدثنا أحمد بيضون عن عمل والده في الأمن العام سائقاً واستمر أكثر من ثلاثة عقود ثم ينقلنا بالحديث عن دراسته في منطقة الفروانية وماذا كانت وزارة التربية تقدم للطلاب في ذلك الوقت حيث انها تتكفل في كثير من المصروفات وتقدم لهم ذلك مجاناً ثم نتطرق الى عمله الحكومي والذي كان يتعلق بحياة الناس فهو كان صيدلياً عمل في كثير من المراكز الطبية، أحاديث متنوعة وشيقة لاختلاف مواضيعها نقضيها مع ضيف حديث الذكريات فلنترك له ذلك: نحن من منطقة بنت جبيل جنوب لبنان قريبة من حدود اسرائيل وهي قرية أهلها يمتهنون صناعة الأحذية والزراعة والقمح وهناك ابار ارتوازية وهناك سدود لجمع المطر، كل بيت يجعل له بئراً تجمع بها مياه الأمطار التي تنزل على اسطح المنازل فتكون البئر لها مستودعاً وخزاناً تتجمع بها وهي من أعذب المياه وقريتنا بنت جبيل والفواكه التي كانت تزرع في قريتنا هي للاستهلاك المحلي أما الشق التجاري الزراعي في القرية فهو الدخان الذي كان يزرع عندنا في القرية والقمح معه وجدي كان عنده مهنة أخرى وهي «جزار» والوالد لم يكتسب هذه المهنة لأنه في مقتبل عمره وعز شبابه جاء للكويت والحاجة هي التي تدفعه للكويت، والكويت كانت في بدايات نهضتها وجاء ذكرها وشاع خبرها أنها بلد خير وبه فرص العمل متوافرة وبه نهضة...
وعند قدوم الوالد كان لوحده وهو جاء قبل اسرته ونحن لما أتينا بعده كان المطار في منطقة المنصورية عبارة عن «كبرة» وقد سبق والدي في مجيئه للكويت خالي وهو الذي شجع الوالد وقد استغرق في الكويت أربع سنوات والعمل الذي التحق به والدي هو سائق مدني في وزارة الداخلية فهو كان عنده رخصة قيادة عامة وهو في لبنان وعمل بها عدة أشهر في لبنان وعمله كان في تاريخ سنة 1959 ونحن جئنا في شهر الخامس وهو قدومه شهر واحد والوالد من العاطفي الذي لا يستطيع الابتعاد عن أولاده وأسرته وأنا كان عمري حين مجيئنا للكويت خمس سنوات ومازلت أذكر ذلك اليوم الذي جئنا به للكويت ونزولنا في المطار وذلك الشهر الذي نزلنا به كان الجو حاراً وقد استغربت والدتي من هذا الجو وسألت والدي ما هذا الحر؟ هل هناك حريق في البلد؟ لأنها جاءت من بلد بارد وقد رد عليها والدي بقوله هذا هو جو البلد... وكانت مفاجئة لكن الله أعاننا.
السكن
سكنا في غرفة كبيرة في منطقة الدوغة والايجار بالعملة الروبية وسقف الغرفة كان من الكندل وهناك حوش بركة في وسطه ويأتي سائق سيارة الماء «التنكر» يفرغ الماء في تلك البركة وليس هناك تمديدات صحية الماء ننقله من «البركة» والماء نجعله في «الحب» وليس هناك ثلاجة وليس هناك تكييف لكن هناك استقرار لأسرتنا فالوالد عاطفي ولا يحب يفارق اسرته وعمل والدي كان في مخفر الفروانية بعد الاستقلال هناك أمن عام يضم الداخلية والدفاع وحين الاستقلال حصل توزيع للقوى العاملة في الأمن العام ما بين الداخلية والدفاع وقالوا له يا أبوأحمد ترغب تذهب للجيش او الداخلية فقال والدي أنا لا أرغب في العمل بالمعسكرات لأنها بعيدة وأنا أود أن أكون قريبا من اسرتي لذلك أود ان اعمل بالشرطة ولو انه حول للجيش لكان الوضع تغير لكنه كان لا يحب الابتعاد عن اسرته.
الجيران
كان جيراننا يأتوننا وهم يلبسون البراقع ويزورون الوالدة ويتكلمون معها وهي حقيقة لا تستطيع أن تفهم اللغة واللهجة لكن شيئاً فشيئاً أخذت الوالدة تفهم وتعرف اللهجة الكويتية.. ومن جيراننا الذي أذكر بيت الدويلة ونعم فيهم وهم أكثر شيء نعرفهم... اما في خيطان فكان جيراننا بيت بوحديدة وبيت المزين ونحن خرجنا من الفروانية سنة 1962 وسكنا منطقة خيطان ومازلت أقيم فيها لم أتركها ولا أحب أن أتركها فأنا تعودت عليها... ولقد ظل الوالد يعمل في مخفر خيطان حتى انتهت خدماته سنة 1986 واعطي مهلة شهر للمغادرة في اثناء ذلك عملت لهم التحاقاً بعائل حتى عمرنا بيتا في البلد ثم ذهب الى هناك لكن لم يستغرق ذهابه طويلاً حيث ظهرت عليه أعراض المرض فرجع للكويت وبعد عام توفاه الله ووالدتي مقيمة حتى اليوم في أميركا مع شقيقاتي وقد قالوا لي تعال فقلت لا أنا في الكويت هي بلدي، أميركا هي الغرب أنا في الكويت منذ خمسين عاماً وأنا في الكويت اسمع الاذان وأرى القنوات الاسلامية.
الدراسة
بدأت سنة 1959 في الصف الابتدائي في مدرسة الفروانية المشتركة التي اليوم هي المنطقة التعليمية والناظر كان اسمه ابوزياد ثم انتقلت الى المرحلة المتوسطة في منطقة خيطان «عمر بن الخطاب» والناظر من بيت ابوعماشة اسمه بوحسن وقد عملت فيما بعد مع ابنته طبيبة في المركز الصحي.
الثانوية
أول افتتاح للمرحلة الثانوية في منطقة خيطان أنا درست فيها وهي اليوم التي فيها قوات الأمم المتحدة ودراستي كانت بها سنة 1969 ومن زملائي محمد ربيع النومس الذي كان مدير بنك التسليف والدكتور زكي شموط ود. حسن شبير ود. عبداللطيف حنون والمدارس كانت في الماضي تقدم اللباس كاملاً، قمصان وبنطلون وأحذية وكذلك وجبات غذائية، الفطار والغداء والريوق بعد الحصة الأولى وبعد الحصة الخامسة وجبة غداء فالمدارس كان بها مطابخ في الماضي والوجبات كانت دسمة كذلك الكتب مجانبة والدفاتر لا تشترى إلا الأقلام والمواصلات ايضاً هناك باصات «أبوكرام» تقوم بنقلنا الى المدارس، والمدرسون كان عندهم الاخلاص وليس هناك دروس خصوصية والمدرس له هيبة واجلال وتقدير ولم نسمع بشكوى على مدرس بل ان المدرسين كانوا يعاقبون الطلبة ولم يكن هناك شكاوى من أولياء الأمور والولد عندما يأتي مضروباً من المدرس، الوالد ايضاً يقوم بضربه... كنت في بعض الأحيان اذهب راجلاً الى المدرسة او مع والدي.
خيطان
لم يكن في خيطان الا شارع رئيسي واحد الذي في السوق والمحلات باليمين والشمال وهناك مخبز لبناني بجانب مقر النادي (نادي خيطان) وهناك حفرة كبيرة تتجمع بها مياه الأمطار حتى انني أذكر انها امتلئت بالمياه وفاضت على البيوت المجاورة لها وجاءت التناكر وسحبت تلك المياه التي أغرقت البيوت حتى من كبر الحفرة غرق فيها تنكر، وخيطان هي الساحة الترابية الموجودة اليوم في منتصف جمعية خيطان عندما فتحت كانت شيئاً رائعاً بالنسبة لنا ومتعة في التسوق لأنه شيء جديد علينا واما اول مستوصف في خيطان فكان في بيت العجيري والد الدكتور صالح العجيري وكان والده موجوداً وكنا نعرفه شخصياً ومخفر خيطان القديم كان آخر السوق.
الدبلوم
بعد الثانوية درست دبلوم سنة صيدلة، فني صيدلة وكنت بحاجة ان أعمل بسرعة حتى أساعد الوالد ودراسة الصيدلة كانت سنة واحدة وللاسف لم يكمل أحد من اخواني بعد الثانوية وأنا لم أعمل قبل عملي هذا لأن الوالد كان يرفض وهناك بالأول كان فيه خير بالدينار والوالد راتبه كان لا يتجاوز الستين ديناراً لكن كنا عايشين وساكنين وكنا بحوش في بيت العويد بخمسة عشر ديناراً يجاورنا بيت البابطين والصلال... عائلة مكونة من عشرة أنفار واشترى الوالد شققاً في لبنان وكان يدفع لها قسطاً شهرياً وكان راتبه مباركا والدينار له قيمة، راتبه سبعون وستون ديناراً.
الصيدلية
عملت في قسم الصيدلة في وزارة الصحة كان قسمها في المرقاب والدكتور رياض العلمي هو المسؤول، قدمت أوراقي وقبلت وسئلت في المقابلة اذا تم تعييني في جزيرة فيلكا هل أقبل؟ قلت لقمة العيش اي هي سوف يتبعها الواحد... وقد خيروني بين الجهراء والفحيحيل واخترت الفحيحيل لأن اختي كانت ساكنة هناك وتعينت سنة 1975 ثم انتقلت الى المنطقة الرابعة في صيهد العوازم بين العشيش كان هناك كبرتان كبرة مخفر والأخرى مستوصف وكان الناس يجلسون في المستوصف لأجل التكييف ليس للمرض وبعد تسعة أشهر انتقلت الى مستوصف خيطان الشمالي من 1978 الى 1990 ثم عملت بخيطان الجنوبي بعيادة السكر ثم نزلت في لبنان وجاء الغزو وأنا في لبنان.
البيت
تنقلت من بيت الى بيت لكن في خيطان والعمل في خيطان وفترة عملت في مستوصف العمرية سبع سنين ثم رجعت الى خيطان الجنوبي ومازلت في هذا المستوصف.
الدواء
تغيرت نظرة الناس للدواء حيث انها تثقفت وصارت تفهم بالدواء ويجادل ويناقش ويسأل عن تاريخ الانتهاء وبالأول لا تسأل الناس وعندما وضعت رسوم للوافد صار اهتمام أكثر حيث اذا مرض رجع اليه فهو يحتفظ به لما كنت في مستوصف الفحيحيل حين اول تعييني كنا نعرف ثلاثة آلاف وصفة يومياً وكنا اثني عشر فنيا نعمل معاً هناك ثلاثة شبابيك وكل شباك يعمل عليه اثنان، العمل كان فيه ضغط شديد، وكثرة مراجعين لكن الله سبحانه وتعالى أعاننا على عملنا والعمل مواسم هناك الحساسية في شهر ثلاثة والحادي عشر... واليوم ممكن المريض يدخل على طبيب مجرد استشارة لأن هناك ثقافة صحية لدى الناس اليوم.
الطرفة
صرف في أحد الايام دواء مرهم وكان عبارة عن حبتين اي مرهمين فسألني المريض ابدأ بمن؟ فقلت هما نوع واحد ابدأ بما تشاء ثم أعاد لي السؤال ابدأ أي واحد منهما فأجبته بنفس الاجابة انهما دواء واحد لكن صرف لك اثنان وهناك سؤال متعارف عليه قبل الأكل أو بعد الأكل... كل دواء لابد من هذا السؤال والادوية تغيرت كثيراً عن زمان وكل فترة بحاجة الى تغيير لأن الميكروب يكون عنده مناعة من دواء فلابد من تغيير الدواء المضاد الحيوي فحصل تطور بالدواء وأصبحت الادوية اليوم أكثر تأثيراً وفعالية وبها مفعول أكثر والادوية متجددة وهناك ادوية لا تزال موجودة منذ تعييني في وزارة الصحة.
الزملاء
من زملائي الذين كانوا معي في بداية عملي في وزارة الصحة الدكتور ياسر الناشف والصيدلي سمير صالحية وهما اعتز بهما لأن تعليمي معهما وعلى أيديهما وايضاً وهناك مدير المنطقة اسمه موسى عوض من خير المسؤولين ويعامل الموظفين كأنهم أبناء له وكنا نقدره ونجله وكان شديداً بالعمل لكن يحتوي من حوله... الدكتور رياض العلمي جاءه موظف وقال أود أقدم استقالتي فقال له الوظيفة بيدك وعندك أخذ اجازة ثلاثة أشهر وفكر جيداً وكان ذلك الموظف يريد ان يذهب للعمل بالأردن ثم قال اذا استمررت بالأردن ابعث لي وأنا أخلص استقالتك، سافر ذلك الموظف ولم يكمل شهرين وعاد... كان يعامل الموظف كأب... أنا معاصر أول وزير هو الدكتور العوضي وهناك تكريم بالأول لمن تجاوزت خدمته خمسة وعشرين عاماً لكن توقف هذا التكريم.
الزواج
زواجي كان سنة 1978 من بنت خالتي من نفس بلدنا بعد الوظيفة بثلاث سنوات ولأنها بنت خالتي كانوا يرضون بالقناعة فوالدي قال لي لا تسكن خارج البيت فأخذت غرفة عند والدي والوالد قال لكي توفر ايجار السكن لأجل شراء شقة في البلد وتوفير مال قد تحتاجه فيما بعد ونحن كأسرة واحدة لا تشعر بغربة وأنت بين أهلك فعلاً جاءني ولدي الأول وأنا ساكن بغرفة عند والدي لكن اثناء الحمل في ثاني ولد لي قلت لوالدي كلمة لطيفة أود ان اخرج في شقة لوحدي فقال لا لا لكن اقتنع وهو زعلان بعدما خرجت جاءني ونسي الزعل بحنان الاب والله يبارك بالبيت الذي يخرج منه بيت لم يكن هناك مهر كبير في زواجي ليرة ذهب مع كتاب القرآن الكريم ومؤخر ثلاثة آلاف دينار والمؤخر تجعله الاسر حتى لا يكون الطلاق سهلاً وأولادي جميعهم ولدوا بالكويت ومحمود ابني معه دبلوم بعد الثانوي وبنتي وفاء دخلت فني صيدلة مثلي ثم تزوجت وجلست في بيتها وعندي ابني حسين فنان وله راتب طيب في شركة اعلانات وعلي طالب ثانوي واخواني سبعة ولدي في الكويت وعندما أسافر لا استطيع اطول أكثر من شهرين.