حوار / أيقونة الدراما اللبنانية تتحدث عن تجربتها في «أدهم بيك» و«لآخر نفَس»
رندا كعدي لـ «الراي»: ميريل ستريب الشرق... أفضل لقب حملتُه
| بيروت - من هيام بنوت |
1 يناير 1970
03:34 م
فولادكار قال لي سأتحدّى بك لأن مَن يُبكي قادر على الإضحاك
كارين رزق الله كانت حقيقية في كتابة «لآخر نفَس»
قدّمتُ في «أدهم بيك» الخط التراجيدي
عندما يكون لدى الممثّلة شغف أن تكون عاشقة... يبدو هذا الأمر واضحاً من عينيها
«ميريل ستريب الشرق... أفضل لقب حملتُه»!
ببساطتها، الممزوجة بثقل الموهبة، تجد الفنانة اللبنانية رندا كعدي منفذاً من صنعها للتحدث عما أسمتها «موضة» تسري حالياً في الدراما وهي أن تكون النجمات حلوات، مضيفة: «بارك الله في جمالهن وأدائهن. الناس صفّقوا لهن ولم يشاهدوني أنا وأمثالي. كانوا سعيدين بالجمال، وعندما ملّوا منه أعرضوا عنه».
كلام كعدي، التي أجمع الجميع هذه السنة على تَفوُّقها في الدوريْن اللذين قدّمتهما في مسلسليْ «أدهم بيك» و«لآخر نَفَس»، جاء خلال حوارها مع «الراي»، والذي تحدثت خلاله عن أمور كثيرة، انطلقت من العملين الأخيرين.
كعدي، ممثّلة مخضرمة قدّمت الكثير من الأعمال المسرحية والدرامية، ولكنها لم تحصد ما تستحقه إلا هذه السنة، عندما ادرك الجمهور كيف يفرقّ بين ممثّلة يطلبها المنتجون لشكلها وممثّلة تملك كل المقوّمات التي تجعل العيون شاخصة إلى أدائها...
? قدّمتِ في رمضان شخصيتيْن متناقضتيْن تماماً في مسلسليْ «أدهم بيك» و«لآخر نَفَس» وكلتاهما حظيتا بإعجاب النقاد وكرّستا نجوميتك، مع أنك موجودة على الساحة الفنية منذ أعوام بعيدة قدّمتِ خلالها الكثير من الادوار المهمة. ما الأسباب التي جعلت الأنظار تنصبّ عليك هذه السنة تحديداً؟
- الكل يسأل هذا السؤال، وجوابي واحد وهو أنه عندما يكون العطاء من دون ملل وبنفس الحماسة والوتيرة الشغف والحب، فلا بد أن ينضج هذا الحب ويحين وقت القطاف.
? حتى لو جاء متأخراً؟
- سواء كان مبكراً أو متأخراً لا يهمّ. ولا مرة أعطيتُ من دون شغف منذ أيام «طالبين القرب» عندما بدأ يلمع أدائي. لان أدائي تَميّز منذ عرْض هذا العمل، ومن بعدها كتب لي مروان نجار «أحلى بيوت راس بيروت» من 15 حلقة، وقد تم تجديده لأن المحطة طالبت به بسبب الإقبال الكبير عليه. لم تكن هناك وسائل اتصال تدعم، ولكننا كنا نسمع من «LBC» أنه الرقم واحد ليس في لبنان فقط، بل كان متابَعاً في دول الاغتراب بالرغم من أنه لم يكن يوجد «يوتيوب» و«فايسبوك» وقتها.
ما أقصده أنني لم أكن في الظلّ، ولكنني صبرتُ ولم أستسلم لأنني أؤمن بأن الأداء الفني سواء كان على المسرح أو في التلفزيون أو في السينما - مع أنني لم أعمل في السينما - عندما يكون صادقاً لا بد وأن يصل إلى الناس وهذا ما حصل هذه السنة.
? لا شك في أن إحساسك وصل إلى الناس منذ أيام «طالبين القرب»، لكن «الرهْجة» أحاطت باسمك حالياً؟
- ربما لأنه عُرض لي عملان على محطة «mtv» وراء بعضهما، ولم تُتح الفرصة أمام الناس للابتعاد عن الشاشة، الأول «لآخر نفَس» لكارين رزق الله وإخراج الحبيب أسد فولادكار والثاني «أدهم بيك». أسد فولادكار أَسْند إليّ الدور الكوميدي الخفيف، وهذه التجربة خضتُها معه وكانت أول تجربة كوميدية في حياتي. هو قال لي سأتحدّى بك لأن مَن يُبكي قادرٌ على الإضحاك. وأنا كنتُ خائفة جداً وقلت له إن الناس معتادون على دموعي على الشاشة، فأجابني بل هم معتادون على أدائك. هو وثق بي إلى حدّ كبير، كما أن كارين كتبتْ الحوار الخاص بشخصيتي بطريقة أكثر من رائعة. شخصية الأم التي تشبهني كما كل النساء الأمهات الحريصات و«المهمومات» على بناتهنّ. كارين كانت حقيقية في كتابة الحوار وأسد وثق بقدراتي وأعطاني الضوء الأخضر، وكوني ممثلة أدّيت واشتغلت بشكل صحيح. الكوميديا يجب أن تقاس بميزان «الجوهرجي»، لا يجوز أن نزيد أو ننقص لأن الضحكة لا تصل إلى الناس.
أهنئ كارين وأسد ونفسي على «لآخر نَفَس»، لأنه أعطاني الفرصة لأن أحمل هذه القضية التي أضأنا عليها بشفافية واحترام، مع أننا تعرّضنا للنقد واتُهمنا بأننا نروّج للخيانة. دور الفن طرْح القضايا وتسليط الضوء عليها، إما لنتّعظ أو نحاول أن نتلمّس حلولاً بديلة. الدراما لا تقدّم حلولاً وقليلة جداً هي المسلسلات التي تقوم بهذه المهمة. قضية المسلسل كانت موجعة جداً وأريد أن أقدّم اعتذاري قبل أن أقول إننا نعيش عصر الانحطاط، بسبب انعدام القيم والأخلاق، ونحن نتجه نحو الهاوية. نحن في عصر، لم يعد بإمكان الأهل أن «يمونوا» على أولادهم وصارت الخيانة مشروعة. نحن في لبنان نعتبر أنفسنا متحررين ونأخذ ما يرميه الغرب، ولذلك كنتُ فخورة وسعيدة، وأقدّم التهنئة لكارين يومياً. في الماضي كانت الأم ترفع العصا وتهزّها وكان الولد يسمع الكلمة، وأصبحنا في عصر لم يعد الأولاد يأبهون لكلام الأهل. العمل تعرّض لانتقادات و«قامت القيامة» عليه، وأنا لا أتكلم عن نفسي لأن دوري فيه حقّق النجاح، وأنتِ سألتني عن موضوع أنا أرغب في التحدث عنه، ولم يُفسح بذلك لي سابقاً وبقي حسرةً في قلبي. دور الفن الإضاءة على القضايا وعندما نضيء على المشكلة لا تعود مشكلة، لأننا نتيح الفرصة أمام المشاهد لمناقشتها.
? وبالنسبة إلى مسلسل «أدهم بيك»؟
- هذا العمل كان من كتابة العبقري الصغير طارق سويد وأنا قدّمتُ الخط التراجيدي فيه، والتراجيديا هي النهاية السوداء وموت البطل والخسارة. وأنا حملتُ الخط التراجيدي وليس الدراماتيكي. المسلسل مأخوذ عن قصة «دعاء الكروان» لطه حسين، وقد أضاف طارق سويد مجموعة خطوط درامية كي تتحول إلى مسلسل، ولكن دوري ظل في الخط التراجيدي للقصة الأصلية. عظمة هذا الدور تكمن في كثرة مواقفه التي تحتاج إلى جهد وعطاء شغوف. لا يمكنني أن أكون ممثلة عادية تقف وتسمّع دورها وينجح «أدهم بيك» كما نجح، مع أنني لستُ البطلة بل دوري ثانوي لأن البطولة كانت للنجم الحبيب يوسف الخال، ولكن الصعوبة كانت في دوري.
المسلسل مبني على قصة رائعة، والممثّلون كلهم من الصف الأول، ولكن بطل المسلسل لا يكون نبضه دائماً في تركيبة القصص، بل تكون هناك خيوط هي النبض الذي يساعد البطل على الانتصار، فكيف إذا كان هذا البطل يوسف الخال. أنا استعنتُ بشخصية والدتي وملابسها وكانت تضع إيشارب على رأسها، لأن نساء ذاك العصر المسيحيات كن يتوشّحن، مع أنهم كانوا قد أحضروا إكسسواراً خاصاً بالشعر، ولكنني رفضتُ وأصررتُ على تجسيد الشخصية كما أراها، لأنني حريصة على نساء ذاك العصر وممنوع الخطأ في بناء الشخصية، فأنا أكاديمية وتخرّجتُ في معهد الفنون وأحمل بعضاً من ثقافة المسرح وأدرّس مادة التربية المسرحية، ولا يمكن أن أتهاون بأي خطأ في الشخصيات التي أتبناها، ولا أقبل إلا أن تكون الهوية ناصعة ولها اسم ومكان إقامة ومولد وحجم وطول، ومَن تكون، وكيف تمشي وكيف تنفعل وتفرح، وهذا ما أحرص عليه في أي شخصية أؤديها. ومنذ أن دخلتُ معهد الفنون وأنا أعمل على هذا الأساس، ولكن مع الخبرة والنضج تلمع الشخصيات، ولذلك كان من نصيبي ان أكون أيقونة الدراما اللبنانية في هذا العام.
? ما تقولينه يجعلنا نتمنى لو أن كل النجمات اللبنانيات المسيطرات على الساحة هنّ أكاديميات، إذ كن اشتغلن على الشخصيات أكثر؟
- الموضة حالياً هي أن تكون النجمات حلوات. وبارك الله في جمالهن وأدائهن. الناس صفّقوا لهن ولم يشاهدوني أنا وأمثالي. كانوا سعيدين بالجمال، وعندما ملّوا منه أعرضوا عنه. لو كان في البيت لوحة «الموناليزا»، لا بد وأن تملّي منها مع الوقت، فتحاولين أن تغيّري بالكادر أو بأي شيء آخر أو تستعينين بالإضاءة. الجمال موجود، ولكن لا حياة في الصورة. نحن نريد الحياة التي تُدخِل الصور الجميلة. البعض لقّبني بميريل ستريب الشرق، وهو أفضل لقب حملتُه، وعبيدو باشا كتب «رندا كعدي لم تعد في الظل»، كونه كان يتابعني في المسرح منذ بداياتي ويعرف مقدار عطائي. عندما يكون لدى الممثلة شغف أن تكون عاشقة، يبدو هذا الأمر واضحاً من عينيها، فلا يعود هناك اهتمام بالتجاعيد حولهما، بل بالنظر الثاقب. وهذا ما شاهده الناس والنقاد والإعلاميون.
? هل هم تأخروا في مشاهدة كل ذلك؟
- كلا. بل حرْقة قلبي هي التي وصلتْ متأخرة.
? كيف؟
- أقصد حرْقة قلبي للوصول بالدراما إلى القمة، وحرْقتي على نفسي كي أعطي أكثر. الممثل لا يمكن أن يرضى على أدائه أبداً، بل هو يجد أن هناك ثغرة يجب أن يملأها، وربما هذه السنة نجحت في ملء كل هذه الثغر.
? أو ربما هذه السنة تمّ إنصافك، بعد سنوات طويلة من الإجحاف الذي طالك في وقت كانت كل الأضواء مركّزة على الممثلة الحلوة التي تملك جسداً جميلاً والتي على ما يبدو ملّ منها الناس هذه السنة وعرفت أن تفرّق بين الممثّل الحقيقي و«البرواز»؟
- لا يمكنني أن أعرف، لكنني أشكر النقاد والصحافيين والمسرحيين، لأن أهل المسرح يتمسّكون بكواليس وقانون المسرح وعندهم الغلط ممنوع، وهم عندما يهنئونني على أدائي فهذا يعني أن عملي وصل بطريقة صحيحة.
? لماذا تحاولين أن تحمّلي نفسك مسؤولية تَأخُّر نجوميتك، وكأنك تقولين إن تجربتك اكتملتْ من خلال هذين العملين؟
- أبداً. لكن بوجود التكنولوجيا صار الناس يتابعونني على «فايسبوك» و«يوتيوب» و«تويتر». ولأن الناس يتابعون في رمضان أكثر، لأن رمضان صار اسمه السباق الرمضاني، فكل هذه العوامل هي التي ساعدت. ربما أنا أضفت زيادة وربما السبب يعود إلى ثقة المنتجين بي. المُنْتِج كان يطرح مَقاطع من أعمالي على «تويتر»، لأنه كان فخوراً بما أقدّمه وكي يقول «شوفوا رندا شو عمل تعمل» ليسوّق عمله، ولكن الأمر في مصلحتي. أنا اشتغلت مع مروان حداد في «قيس وليلى» في 2007 ومن بعدها «وين كنتي» العام الماضي، إضافة إلى ما قدّمناه هذه السنة. إذ وخلال التصوير طلب مني أن أكون معه في «أدهم بيك» لأنه يعرف قوة العلاقة التي تربطني بطارق سويد الذي كتب الدور خصيصاً لي، والحمد لله أنني شاركتُ في غالبية كتاباته. عندما يجدني مشدودة لشخصية، يزيد عليها «فلفل وبهار» ويحمّلني الكثير من المشاعر التي تجعلني أتحدى ذاتي وتحوّلني إلى ممثلة شرسة.
? لكن طارق سويد قال إن مسلسل «أدهم بيك» لا يعكس حقيقة النص الذي كتبَه؟
- ولكن لو سئل عن دوري لكان قال، أدّت رندا الدور كما كتبتُه ولم تغفل حرفاً واحداً.
? لكن العمل لم يحصد ما تَوقّعه الناس منه؟
- المخرج زهير قنوع والممثلون اشتغلوا من كل قلبهم والإنتاج لم يبخل بشيء. وألا يحصد العمل المتوقَّع منه يعني أن هناك «قطبة مخفية». ربما لو لم يُعرض في الشهر الفضيل ولم يكن ضمن السباق الرمضاني لكان حقق نجاحاً باهراً، لأن يوسف الخال لعب دوراً مركّباً وعجيباً. وأنا لا أجد سبباً لعدم نجاحه.