ضوء

اللسان

1 يناير 1970 06:13 ص
أكتب عن اللسان، لأنه مغراف القلب، وكلنا لا يجهل مكانه، وعلمياً هو عضو عضلي يرتبط بالفك عبر 17 عضلة تؤمن له حركته وعمله. ويغلف سطح اللسان غشاء مخاطي تغطيه آلاف الحليمات الصغيرة التي تحتوي في أطرافها على نهايات عصبية وظيفتها التذوق، ويغطي سطح اللسان أربعة أنواع من الحليمات: الخيطية والكمئية والورقية والكأسية.

وينقسم اللسان إلى أربعة مناطق للتذوق: منطقة التذوق والإحساس بالأطعمة الحلوة مثل السكريات وبعض أنواع الأحماض الأمينية، وهذه المنطقة توجد في الطرف الأمامي والثلث الأول منه، ومنطقة تذوق الحوامض وتوجد في الجانبين الأيمن والأيسر منه، ومنطقة تذوق الموالح توجد في الطرف الأمامي، أما المنطقة الرابعة والمسؤولة عن تذوق الأطعمة المُرة فتوجد في الثلث الخلفي الأخير من اللسان.

واللسان عجيب أمره، يكشف معادن الناس، فإن اتفقت مع شخص على بيع ملك خاص مثل عقار أو سيارة، ووعدك بلسانه المعسول أن يصلك حقك إلى مكانك، ووثقت في الكلمة، ووقعت على عقد البيع، لكن الثقة والنية الحسنة ليست في قاموس أمثاله، تتفق معه على شيء، ويضمر في قلبه فعل شيء آخر، والمرء يُعرف في المواقف، ولا يغرنك الأصل والحسب فأصل المرء أفعاله.

أو إذا أسديت النصيحة لمن تراه من الأقرباء والأهل لفعل الصواب، وجاء الرد منه قلة ذوق وسلاطة في اللسان، آنذاك تعرف أنه لا يستحق اهتمامك وتفكيرك، فالمرء في المواقف يظهر لك معدنه إن كان رخيصاً أم ثميناً، والإمام الشافعي يقول: كلما صغر العقل طال اللسان.

ومن الأقوال المأثورة في اللسان: اللسان ميزان الإنسان، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، رُب سكوت أبلغ من الكلام، اللسان سبع إذا أُطلق قتل صاحبه، إذا تكلمت بالكلمة ملكتك وإذا لم تتكلم بها ملكتها، إياك وأن يضرب لسانك عنقك، رب كلمة قالت لصاحبها دعني، عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان، لا تطلقن القول في غير بصر إن اللسان غير مأمون الضرر، لسان الفتى عن عقله ترجمانه متى زل عقل المرء زل لسانه، لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك، مقتل الرجل بين فكيه، العاقل من عقل لسانه والجاهل من جهل قدره، أحمد البلاغة الصمت حين لا يَحْسُنُ الكلام، اللسان ليس عظاماً لكنه يكسر العـظام، لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه، رب لفظ جر آجال نيام وقيام إنما السالم من الجم فاه بلجام.

قال الشاعر: احذر لسانك أن تقول فتبتلى إن البلاء موكل بالمنطق

وقال آخر: كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان

وقال ثالث: كفى بالمرء عيبا أن تراه له وجه وليس له لسان

والكلمة إذا خرجت من القلب دخلت القلب، وإذا خرجت من اللسان لا تتجاوز الآذان. والكلام كالدواء إذا أكثرت منه قتل، وإن قللت منه نفع، اختر كلامك قبل أن تتحدث وأعط للاختيار وقتاً كافياً لنضج الكلام، فالكلمات كالثمار تحتاج لوقت كافِ حتى تنضج.

اللسان رحب الميدان، واسع المجال، ترجمان القلوب والأفكار، آلة البيان وطريق الخطاب، له في الخير مجال كبير وله في الشر باع طويل، فمن استعمله للحكمة والقول النافع وقضاء الحوائج، فقد أقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه وهو بالنجاة جدير، ومن أطلق لسانه وأهمله سلك به الشيطان كل طريق.

وكل جوارح الإنسان مرتبطة باللسان في الاستقامة والإعوجاج، ومن هنا جاء التأكيد العظيم على حفظ اللسان: «ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد»، ومن هنا جاءت الوصية القيّمة: «يا معاذ كف عنك هذا وأخذ بلسانه، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».

لذلك احذر من بائع الكلام، حلو اللسان قبيح الأفعال، يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما الثعلب، من لا أمان له، من يخون وعوده وعهوده، وابتعد تماما عن سليط اللسان.

قال يحي بن معاذ: «القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغرف لك مما في قلبه، حلو وحامض وعذب وأجاج، ويظهر لك طعم قلبه اغتراف لسانه».

وحاصل ذلك أنّ اللسان سلاح ذو حدين، فهو عند اللبيب المهتدي آلة من آلات الخير والبر ومركب من مراكب البلوغ والنجاح، وهو عند الوقح السفيه عقرب خبيثة، وكل ما هو خبيث كالنميمة والغيبة والوقاحة وخيانة الأمانة يصدر عن لسانك، وكل ماهو جميل كالحب والرحمة والصدق يصدر عن لسانك، فاختر نفسك. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك.

[email protected]