د. وائل الحساوي / نسمات / السفسطائيون!!
1 يناير 1970
01:30 ص
عندما كنا صغارا كانت بعض الشركات تنظم عروضا مثيرة للمصارعة الحرة نتحمس لحضورها، وفي نهاية كل عرض مثير كان المغلوب يقف ليتحدى الغالب بأنه سيكيل له الصاع صاعين في الجولة القادمة وسيهزمه شر هزيمة، فنتحمس حماسا مضاعفا للحضور ومشاهدة كيف سينتقم المغلوب من الغالب.
وفعلا نرى تغييرا كبيرا في موازين القوى وتحول المغلوب الى وحش كاسر، وهكذا دواليك، الى ان تبين لنا بأن الامر لا يتعدى لعبة متقنة يتفنن بها هؤلاء المصارعون وان المغلوب الحقيقي هو جيوبنا.
لدينا على الساحة الكويتية اليوم لعبة لا تقل اتقانا عن لعبة المصارعة الحرة وهي لعبة الحكومة والمجلس، فتارة يحاصر المجلس الحكومة ويتهددها ويتوعدها الى درجة أنها «تكسر خاطرنا» ونتعاطف معها ونشتم المجلس على وقاحته وتجاوزه للحدود، وفي اليوم التالي نجد بأن الحكومة قد «استسبعت» على المجلس وأعملت فيه تفكيكا واذلالا حتى يصبح العراك والخناق بين أعضاء المجلس، بينما الحكومة تتفرج ولو كان هذا الصراع لمصلحة البلد لما حزنا على الطرفين، ولكن حقيقة هذا الصراع هو ستر لعورة الحكومة التي أثبتت عجزها الرهيب وعدم قدرتها على انجاز شيء يذكر، وكذلك تغطية على فشل نواب الامة في أن يقوموا بالدور المطلوب في التشريع والرقابة.
الكل يترحم اليوم على أيام زمان حيث كانت حكومتنا حكومة قرار، وبامكانات بسيطة استطاعت أن تبني أسس الدولة الحديثة، بينما تعطل دورها منذ منتصف الثمانينات وتعطلت التنمية، انظر إلى المستشفيات ترى آخرها قد تم بناؤه في الثمانينات، والطرق أغلبها قد تم انجازها خلال تلك الفترة، والجامعة والتطبيقي تأسسا قبل الثمانينات ثم لم يتطورا بعدها، والمدارس ضاعت بكثافة طلبتها ورداءة مبانيها، والاعلام الحكومي في تدهور مستمر على جميع المستويات، والطيران الحكومي الوحيد يلفظ أنفاسه مع مطار يرثى لحاله، ومصافي نفط قديمة لم تتجدد ومحطات كهربائية سكراب لا تكاد تفي بحاجة المواطنين، ومخطط للمدن عشوائي، وبلدية يعشعش بها الفساد الى قمة رأسها، ووزارة للتخطيط أسقطت من الحساب لانها غير موجودة أصلا وهكذا.
أما المجلس الذي كان له احترامه وسطوته وتشريعاته فقد أصبح أداة بيد فئات من المتنفذين تحرك أعضاءه بالريموت كنترول وتفتعل المعارك من أجل تحقيق المصالح، ويستطيع النائب من خلاله ان يصبح بليونيرا بلمحة بصر.
من يصدق بأن بلداً مشلولاً في جميع نواحيه لديه مجلس يقضي الساعات الطوال في مناقشة ترخيص دواوين على أراض مملوكة للدولة وكأنما هم يتحدثون عن قواعد عسكرية تخدم البلد، ولديه وقت للصراع حول اتحاد الكرة وعدد أعضائه ووقت للصراع على مكتسبات النواب وسكرتاريتهم وغيرها، ولكن ليس لديه وقت لمناقشة عظائم الأمور؟!
تتحدث كتب التاريخ عن تعريف السفسطائيين بأنهم قد نشأوا في الدولة الرومانية بعد هزيمة أثينا، وتحلل نظامها السياسي، وقد آمن السفسطائيون بأن كل فرد يمكنه ان يعمل في السياسة عن طريق الجدل والمنطق والتأثير في الآخرين، وبأن الحكم يمكن ان يكون مأربا لأي فرد يمكنه الوصول اليه.
وأخشى ما أخشاه هو ان تكون حكومتنا ومجلسنا قد وصلوا الى مرحلة السفسطة في جميع أمورهم، وان المطلوب منا هو ان نتفرج عليهم ونصفق لهم في جولاتهم التي لا تنتهي؟!
د. وائل الحساوي