| د. فهد سالم الراشد* |
عرف اليهود بكثرة مطالبهم، ومحاولتهم تعجيز نبيهم، كما يفعلون الآن في هيئة الأمم ومع الاتفاقيات الدولية، قال تعالى: ?وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ? البقرة: 55. وقوله تعالى: ?وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ? البقرة: 61. ويعفو عنهم الله عز وجل المرة تلو المرة، ويبعثهم من جديد ويفضلهم على من سواهم، انظر: الآيتين: 56 و 57، من سورة البقرة. ويزيد من إحسانه عليهم، قال تعالى: ?وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ? البقرة: 58. والنتيجة كانت في قوله تعالى: ?فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ? البقرة: 59.
أما النصان التوراتيان اللذان ذكرهما الباحث محمد رشيد عناب، واللذان قد أعطيا الحق لليهود أن يستبيحوا أرض العرب، ويستوطنوها، ويحرموا المسلمين المسيحيين من ممارسة عبادتهم في أرضهم وأرض مقدساتهم؛ فيقول الدكتور عادل حسن غنيم
«والاعتقاد الشائع أن هذه الوعود قطعت لليهود دون سواهم، ولكن ليس ذلك ما تقوله التوراة، فإن كلمة نسلك تشمل العرب أيضا من ذرية إبراهيم من أبناء إسماعيل عليهما السلام، إلا أنه في عهد إسحاق ويعقوب ضاق معنى الوعد بحيث شمل نسلهم فقط من دون أن يحرم إخوانهم أبناء إسماعيل بشكل صريح من هذا الحق، كما أن هذا الوعد بالأرض الممتدة بين النيل والفرات أعطي قبل مولد كل من إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وهذا يعني أن تلك الأرض ليست خالصة للإسرائيليين من دون الناس» أ.هـ.
وأنا سوف أطوق هذين النصين المنقولين عن التوراة، وسأقف على مستويات عدة للخطاب منها مستوى الخطاب الديني ولا أقول السماوي، ومنها الخطاب التاريخي السردي، ومنها الخطاب السياسي:
المستوى الأول: التحريف، قال تعالى: «أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» البقرة: 75، وقوله تعالى: «فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ» البقرة: 79.
المستوى الثاني: الميثاق، قال تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ» البقرة: 83 وانظر الآيات 84 و85 و93 من سورة البقرة. فعن أي ميثاق يتحدث اليهود اليوم؟ وهم من اشتهر بنقض مواثيق الله عز وجل في كل مرة؛ فما بالك بمواثيقهم مع البشر.
المستوى الثالث: الوعد، قال تعالى: «فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي» طه: 86.
المستوى الرابع: أسلمة سيدنا إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» آل عمران: 67 و68؛ فلا يحق لليهود مشاركتهم لنا في أرضنا، وهذا رد على ما ذهب إليه الدكتور عادل حسن غنيم.
المستوى الخامس: أسلمة سيدنا إسحاق عليه السلام، قال تعالى: «أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» البقرة: 133. فلا يحق لليهود مشاركتهم لنا في أرضنا، وهذا رد على ما ذهب إليه الدكتور عادل حسن غنيم.
فاليهود أخذوا فرصتهم من الله عز وجل، وفرطوا فيها، فليس لهم وطن في الأرض، بل أراد الله لهم أن يعيشوا شتاتا، فلن يغيروا إرادة الله عز وجل باحتلالهم الموقت لفلسطين، وهم يعلمون ذلك جيدا.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]