ضوء / دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع احتفت بالمفكر التونسي في «يوم الوفاء»

«طائر الحرية الحبيب الجنحاني»... سيرة رائد خطواته سبقت الزمن

1 يناير 1970 03:39 م
سعاد الصباح: نهل من أفكار الأقدمين والمحدثين وأعاد صياغة بعضها بما يتسق والعصر
تواصل دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، الاحتفاء بالمبدعين والرواد في مختلف البلدان العربية، وذلك ضمن سلسلة «يوم الوفاء»، هذا الاحتفاء الذي تهدف الدار من خلاله، لإرساء قيم ثقافية ومعرفية مهمة، تقوم على أساس تقدير النابهين الذين أثروا الإنسانية بأعمال ثقافية وفكرية وفنية وعلمية خالدة، اسهمت في توسيع المدارك والآفاق.

وجاء الدور على المبدع والمفكر التونسي الدكتور الحبيب الجنحاني، من خلال كتاب تكريمي أصدرته دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع تحت عنوان «طائر الحرية... الحبيب الجنحاني»، أدار تحريره الزميل الكاتب علي المسعودي، وهو الكتاب الذي يتحدث عن مفكر خطواته في مجالات الفكر والمعرفة كانت أسرع من عجلة الزمن، أو أنها سبقت الزمن بسنوات عدة، وأفكاره وأطروحاته، تعدت بمراحل حدود الوقت الذي كان نفسه بصدده.

والكتاب يضم في متنته صورة متكاملة لرحلة العطاء الفكرية والثقافية التي قدمها الجنحاني، واستهلك فيها كل وقته وحياته، ما جعله من الرواد المساهمين في النهضة العربية.

واحتوى الكتاب على الكثير من المواضيع والشهادات التي قدمها رفقاء دربه وتلامذته... تلك التي تتوافق مع ما تتضمنه سيرة المحتفى به من محطات عدة، مثل الهجرات الأربع... سيرة تحت العمامة، وهمس الحرية والقمع وعاشق البحر وقيم الوفاء في الوفاء بالإضافة إلى باب «ذاكرة الكاميرا» الذي احتوى صورا تتحدث عن الجناحي في مراحل زمنية مختلفة.

وتحت عنوان «الجنحاني... على أجنحة الحرية» قالت الدكتور سعاد الصباح في تقديمها للكتاب: «تحط طيور الوفاء هذه المرة في أرض غالية من الوطن العربي... ارض لها في النفس حديث ذو شجون... (يوم الوفاء) تلك البادرة التي اطلقتها لتكون باقة ورد لا توضع على ضريح... بل على قلب حي نابض وفكر فاعل... وقد بحثنا طويلاً في شخصية هذا العام الجديرة بالتكريم والاحتفاء... فكانت جهتنا تونس الخضراء... ان للفكر فرسانه، وان للكلمات مهندسيها، وما اجمل ان يمتد العطاء بالانسان امتداد انفاسه، ليقدم للانسانية أولاً، ولأبناء امته ثانيا ما ارتشفته نفسه من رحيق العلم وثمار المعرفة وجني الأيام».

واضافت: «أمد بصري جهة الغرب من القلب العربي النابض، لأرى قامة تملأ الافق وتشغل الفكر وتشتغل به، ارى اسماً يحمل مسماه، فيطير بأجنحة الفكر ويسمو على بساط العلم». الجنحاني... ذلك العلم الذي جمعني معه عمل طويل في مجال حقوق الانسان، ومنتدى الفكر العربي، ومنتديات سياسية وقومية، فكان نعم الزميل المخلص والمحب لعمله وللإنسان... وانني اذ اكتب مقدمة كتاب تكريمي عن رجل بهذا العطاء، يحتوي شهادات اصدقائه ومحبيه فيه، اجدني ممسكة بالقلم من حافته كي لا يفيض الكلام ولا يندلق الحبر، فالمقام لا يتسع... لذلك اترك ما تبقى لشهادات اصدقائه ومحبيه ومريديه... واذا كان المرء يعرف بأقرانه وبأصحابه، فهل يسأل سائل عن الحبيب الجنحاني وهو والذي نهل من افكار الاقدمين والمحدثين، واعاد صياغة بعضها بما يتسق والعصر الذي يعيش فيه، او الظرف الذي يحيط»!

وتابعت: «لا شك ان التواصل مع الحبيب الجنحاني في هذا التكريم يحقق صلة الرحم المعلقة منذ زمن بين الكلمتين العربيتين المشرقية والمغربية... ومن مزايا هذا التواصل ان نرى اقلاماً مخلصة تنبري لتقريظ مستحق لهذا المفكر العلم، مثل الدكتورة فوزية بلحاج المزي، واحمد الحمروني، وصلاح الدين الجورشي، وعزيز بن ابي المعز، والمنصف ثوجة... وغيرهم».

وأردفت قائلة: «تعود جذور التعاون بين دار سعاد الصباح والدكتور الحبيب الجنحاني الى فبراير 1993، عندما تحولت الدار الى مؤسسة حسب القانون المصري، وتضمنت انشطتها النشر والتوزيع في كل من مصر والكويت، وخصصت صندوقاً لعلاج الادباء، وقامت بتقديم المنح الثقافية للمبدعين، وتكريم الرواد من الادباء ومنح الجوائز، بعد ان كان ذلك حكراً على الهيئات الحكومية... وتكوّن مجلس امناء للدار يومها من شخصيات عربية معروفة مثل الدكتور عبدالعزيز حجازي والدكتور سعد الدين ابراهيم، والدكتور ثروت عكاشة، والدكتور سمير سرحان، وشاكر مصطفى، وحنا مينا، والدكتور عدنان شهاب الدين والدكتور سليمان العسكري، والدكتور حسن الابراهيم، وكان منهم ومعهم الدكتور الحبيب الجنحاني... وآخرون... ولا اظن ان هذه الاسماء السابحة في قمة فضاء الثقافة العربية تحتاج الى تعليق او اضافة، فهم النجوم التي اضاءت المنارة للدار ومحبيها».

واستطردت: «ولم يقتصر التعاون على ذلك، فقد اصدرت دار سعاد الصباح والجنحاني لاحقاً كتاباً يحمل عنوان (دفاعاً عن الحرية)، اهداه الى شهداء الحرية في العالم والى الشعوب العربية والى الشباب التونسي ليبقى يقظاً ذائداً عن ثورته، وكان الكتاب اسهاماً في تشريح النظام الاستبدادي ونشر الوعي في صفوف الاجيال الناشئة بأساليب مقاومته... ان المبررات التي تدفع المرء إلى تكريم شخصية كالجنحاني اكثر من ان تحويها اسطر قليلة، فمسيرة هذا الرجل الممتدة عبر عشرات السنين تشهد له، وتسجل انه لم يكن رقماً زائداً في تاريخ بلده، انما هو ذلك الرقم الصعب الذي ناصر الانسان في قضيته الجوهرية، بأنه إنسان، ولاحق العلم منذ نعومة اظفاره في بلاده تونس ثم في تغربه الأوروبي».

وختمت بقولها: «ها نحن الآن نقول له شكراً على طريقة زملاء سلاح الكلمة، ونتمنى له دوام العافية وسلامة البال... لينضم الى الكوكبة التي قمنا بتكريمهم وهم على قيد الحياة»وهم:«الاستاذ عبدالعزيز حسين (الكويت 1995م، الشاعر ابراهيم العريض (البحرين) 1996م، الشاعر نزار قباني (سورية) 1998م، الدكتور ثروت عكاشة (مصر) 2000م، صاحب السمو الامير عبدالله الفيصل (السعودية) 2001م، الدكتور عبدالكريم غلاب (المغرب) 2003م، الاستاذ غسان تويني (لبنان) 2007م، الدكتور صالح العجيري (الكويت) 2013».

ونعمل خلال العام المقبل بإذن الله على تكريم «صاحب السمو الامين الحسن بن طلال».

وفي مقدمة الكتاب «الجنحاني يحكي سيرته الذاتية» قال المحتفى به: «أتذكر الآن وانا اشرع في كتابة هذا التقديم جملة الفيلسوف الانكليزي النمسوي الاصل كارل بوبر: (ماذا اترك وماذا ابقي؟ هذه هي المسألة)... انها حيرة ترتبط بالموضوعية وترتبط قبل ذلك بتحديد الهدف، وماذا أروي، وماذا أحذف مما يزدحم في الذاكرة من احداث؟ لا مناص اذن من الغربلة والانتقاء، وبعد التردد اخترت التلميح الى الاحداث التي تسهم في توعية القارئ العربي بالقيم التالية: الثورة ضد جميع مظاهر الظلم السياسي والاجتماعي. التمسك بمبادئ العقلانية والحداثة، واعني الحداثة المطلة علينا من عباءة عصر الأنوار. الايمان بالحرية، والنضال في سبيلها حتى آخر رمق... قد يبادر البعض قائلاً: (انه حلم جديد يشبه الأحلام القديمة المتهاوية، ماذا تستطيع النصوص ان تؤثر في تحقيق هذه القيم؟... النصوص هي التي تنير السبل وتبعث التفاؤل وبخاصة عندم ا ينتشر الظلام، وتزحف الخفافيش من جحورها، اذ ان النصوص الهادفة ليست منعزلة عن بيئة اصحابها وعن حيرتهم المؤرقة)».

وأضاف «ان هذا النص هو سرد لذكريات معينة، وليس كتابا تاريخيا، فمن الطبيعي ان تتداخل الاحداث لتتوالى احياناً، وتنقطع احياناً اخرى... كان من الممكن ان يكون هذا النص اكثر تفصيلاً واشمل في موضوعاته، ولكنه من النصوص التي تكتب في ظرفية تاريخية معينة محاولة الكشف عن شيء ما... ان التكفير عن الذنوب لا يحتمل التأجيل، انه تكفير عن ذنب تأييد نظم سلطوية معادية للحريات العامة، انه اسهام متواضع في اماطة اللثام عن الوجه الحقيقي لجلاوزة القرن العشرين... ويندرج ضمن مسعى التكفير وضع صاحب النص تجربته النضالية في المجالين السياسي والنقابي تحت تصرف الاجيال الجديدة المناضلة في سبيل تنبيت قيم المواطنة والحريات العامة في التربية العربية».