رواق
بين جنازتين
| ريم الميع |
1 يناير 1970
04:20 م
أولاً، يقال إن تقدم وحضارة أي مجتمع يقاسان بإعلامه الذي يصنع أعلامه. فالتقدم لا يقاس بتقادم الأعوام بقدر ما يقاس بالقيمة التي خلفها الزمن.
وللكويت مع الزمن والأزمنة تاريخ وتاريخ، بعضها يدل على تقدمنا وأكثرها يدل على تراجعنا مع الأسف، ولكن في الاختبارات الحقيقية التي تواجهها المجتمعات يثبت المجتمع الكويتي أن الكويت فيها الخير، فيقفز قفزة حضارية ينفض فيها غبار تخلفه العابر.
وهكذا كانت الكويت أمس تشيع فنانها الكبير عبدالحسين عبدالرضا إلى مثواه الأخير، بحضور حاشد يكاد يكون الأكبر منذ رحيل المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح رغم تخلله جنازتان حاشدتان للراحلين أحمد الربعي وسمير سعيد، إلا أن الظروف المناخية الصعبة وسفر الناس في عطلة الصيف جاءا لصالح الفنان الذي جمع الكويتيين حول فنه حيّاً أم ميتاً، راعياً لنهضتها على نحو خمسين عاماً أو أكثر ومساهماً فيها.
وللمفارقة العجيبة، أن كويت 16 أغسطس 2017 هي غير كويت الماضي. وبين الماضي والحاضر جنازتان، الأخيرة حاشدة لفنان كبير، والأولى تخلو من المعزين لأحد الشعراء الذي لم يسِر في جنازته إلا نفر يُعدون على الأصابع.
في ذلك الحين، خاف المجتمع من مضايقة الذين ضايقوه، وبعد مرور السنوات بقي ذلك الشاعر حاضراً ولم يذكر أحد من ضايقوه.
وككل مبدع تعرض عبدالحسين للمضايقات في حياته ووفاته، لكن المجتمع صار أقوى... لم يعد يخاف، صار يطوق بالحب وينصف من يستحق الإنصاف.
ماذا تغير في الكويت بين جنازتين؟ باختصار، بنت نهضتها وصنعت حضارتها.
وأخيراً، قال الكويتيون كلمتهم إن المجتمع الكويتي في ميزان قياس الحضارة والتقدم تقدم حتى على مقياسه، وأثبت أنه في الأزمات يقف صفاً واحداً ضد الفتن، ليست الطائفية وحسب، بل حتى تلك التي حاولت الإيقاع بين مواطنيه ومقيمين عندما خرج في جنازة وافد ليس له أهل في الكويت.
عند الكويتي، الخلاف جائز إلا في الجنائز.
reemalmee@