الراحل وليد العلي... سجايا رافقت شخصه

1 يناير 1970 04:51 م
قال تعالى «وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها...» ( الحديد/‏‏22)، ونعى الله الصابرين في قوله «وبشر الصابرين» أي على البلاء أي بشّرهم بالثواب الجزيل على الصبر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب» وإنه لمصاب جلل فقدان الشيخ الدكتور وليد العلي، الذي عرفته شيخاً شاباً وعالماً يقظاً لبيباً منذ زمن بعيد، فلمست فيه من الصفات والسجايا ما لم أره في كثير من الناس ممن هم في عمره، فقد طلب العلم مبكراً فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ما أهله لمواصلة طلب العلوم الشرعية ثم ارتحل إلى المدينة المنورة، وأقام فيها أكثر من عشر سنوات كمعيد عضو بعثة لاستكمال دراسته العليا، كما إنه تزوج في سن مبكرة ورزق بذرية صالحة نشأت على كتاب الله فتهيأ له مكان طيب وأسرة طيبة فتح الله بها عليه خيراً كثيراً، وها أنا أسوق طرفاً من سجاياه بتوفيق الله:

تدينه ومحبته للدين وأهله

فلا أذكر أني التقيته إلا على ما يتصل بالدين والتدين، فأول ذلك أخذه بالسنن في هيئته وسمته فلا تراه إلا وتحكم عليه بأنه من الصالحين الملتزمين بأوامر الشرع وسننه ومستحباته، وإذا خاض وتكلم كثيراً يورد ما يدلل على ذلك، ولا تجده إلا أكثر همة لأمور الدين والبر والتعبد، وحين يتحدث عن العلماء يذكرهم بخير ويستشهد بعباراتهم، ولا تراه يخوض في سفاسف الأمور واللهو واللعب، ويتلطف بالعبارات اللائقة بالحال وإذا كان المجلس من مجالس النزهة أورد ما يفيد وما يدخل السرور أخذاً بقول الإمام الشافعي: «الانقباض في مواضع النزهة سخف».

أدبه وحسن خلقه

فمن جالسه أو سافر برفقته يلمس ذلك في خلقه فهو غضيض الصوت بحسب المقام لبق العبارة حسن السؤال عن الأحوال، يطرح التكلف بحسب المقام، حسن الدل قريب إلى من حوله، ينصت ويشارك ويبادر إلى معالي الأخلاق في الحل والترحال، موافق للمرافق، كريم وجزل، وقد رافقته في السفر إلى مصر وسورية ولبنان والرياض فلم أر منه إلا خيراً.

تعبده وتطوعه

مع كثرة الحج والعمرة

فإني -ولا أزكي على الله أحداً- لم أر مثله في تنسكه وتعبده خاصة الصيام فكان يصوم شهر شعبان كله، ثم بعد صيام رمضان، يشرع في صيام الست من شوال، ثم بعد ذلك صيام يومي الاثنين والخميس والأيام البيض والمحرم، ثم إنه يتابع بين الحج والعمرة فلا أذكر منذ أن عرفته أنه فاته حج سنة من السنوات هذا عدا عن العشر الأواخر من رمضان وعمرته وتردده بين مكة والمدينة، وكان هذا سمته منذ أن كان يدرس في الجامعة في المدينة المنورة.

جهده في الدعوة

إلى الله تعالى

فهو بحمد الله من الدعاة إلى سبيل الله بحاله وقاله، فكل عام يذهب إلى الدعوة في سبيل الله إما إلى شرق آسيا وبلاد الهند والسند وإما إلى أفريقيا، أو أوروبا إن تيسر، كان هذا عمله كل عام وكل موسم من مواسم العبادة.أما محاضراته في الجامعة حيث يدرس العقيدة فإن طلبته وزملاءه يشهدون له بحسن المحاضرة وحسن التأدب ولطافة توصيل العلم إلى أذهان الطلبة والسامعين، ومما يذكر أنه في الفصل الصيفي منذ أسبوعين تحدث عن الموت فخنقته العَبرات واغرورقت عيناه رحمه الله ونقل عنه غير ذلك في محبة لقاء الله والتشوق للشهادة.

صفاء عقيدته ودعوته لاحترام ولاة الأمر وبعده عن الانحراف

كان الشيخ الدكتور وليد العلي رحمه الله نقي العقيدة على معتقد السلف الصالح في الأسماء والصفات، وفي التعامل مع ولاة الأمر وفي النصح للمسلمين، فيدعو لهم ويحسن الظن ولايؤلب عليهم الناس ويحذر من المظاهرات والخروج على الحكام على ما درج عليه سلفنا الصالح كالإمام أحمد والأئمة الأربعة عموماً وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن سعدي ونحوهم رحمهم الله، وكان لا يثير الفتن ولا يتحين الفرص لتأليب الناس وتعكير أمزجتهم.

تخصصه العلمي النادر

فإنه رحمه الله كان أول كويتي ينال شهادة في تخصص القراءات من جامعة المدينة الإسلامية التي أمضى فيها نحو عشر سنوات كما تقدم نظرا لأن قسم القراءات كان يمنح البكالوريوس فقط فتحول إلى علم العقيدة إلى أن أنهى الماجستير والدكتوراه في علم العقيدة التي أحبها وأحسن في توصيلها للسامعين وهو أيضا من أوائل من نال شهادة عليا في العقيدة، ولهذا فإنه من المتمكنين من مسائل العقيدة وحسن عرضها.

نيله للأستاذية

في وقت مبكر

فقد وفقه الله تعالى بأن رزقه هِمة عالية حيث جدّ واجتهد في التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع حتى نال الأستاذية في فترة وجيزة ربما وهو في أواخر الثلاثينات من عمره وهو إنجاز علمي يدل على علو الهمة العلمية والمجتمعية مما سهل طريقه للمساهمة الفعالة في إدارة كلية الشريعة والدراسات الاسلامية.

دروسه العلمية المستمرة

فهو بحمد الله لم ينقطع عن تدريس العلم بكافة أحواله سواء كعضو هيئة تدريس أو في النشاط العلمي الموسمي للكلية، أو في مسجده أو في تقديم العلماء ومرافقتهم في جولاتهم إذا زاروا الكويت، ومما أتذكر أنه كان مرافقاً لشيخنا العلامة ابن عقيل رحمه الله لما زار الكويت، وكذلك مشايخ الحديث في فترة السماع لرواية الحديث النبوي عندما استضافتهم وزارة الأوقاف وفقها الله تعالى وغير ذلك من العلماء ممن زار الكويت تباعاً، ويتصل بذلك حصوله على إسناد عالٍ في قراءة القرآن الكريم وسماع كتب السنة النبوية.

اتصاله بالمجتمع

المحلي والإقليمي

وذك من خلال اتصاله بالعالم الإسلامي وحضورة المستمر للندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية وعلى مستوى العالم الإسلامي فيساهم بالأنشطة بقدر ما يسمح به الوضع خاصة في مجال الدعوة إلى الله تعالى والتوسط في الإسلام وحسن الحكمة والموعظة، فتجده حاضراً في كثير منها ويشاهد ذلك في صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي.

الفصاحة والخطابة والإمامة

فقد منَّ الله عليه بأن جعله إماماً وخطيباً لمسجد الدولة الكبير، والمستمع لخطبة يجزم أنها منحوتة نحتاً ومرصوفة رصفاً ومعززة بحسن الاستدلال من القرلآن والسنة بنفس السبك والاستهلال، وهو من القلائل الذين يحرصون على التحدث باللغة العربية الفصحى من غير تقعر أو تكلف سواء في محاضراته في الجامعة أو في الدروس والندوات التي يقدمها أو خطبه، بل وعرف عنه - وأنا أشهد بذلك – حسن سبكة للعبارات بالكلم الطيب خاصة خطب الجمعة، يشهد لها القاصي والداني بجمال العبارة وحسن الكلام المرصوف المصفوف وحسن السجع حتى ليخيل لك أنه من الأوائل على نهج ابن الجوزي وابن القيم، ومازلت احتفظ برسائل منه في غاية الجمال وحسن العبارة، واستشرته مرة لعنوان كتاب عليه تعليقات شيخنا ابن عقيل رحمه الله فذكر لي عنواناً من صنعه في الحال دون تريث وإذا به من أحسن ما رأيت من العناوين وهو «إدراك المطالب بشرح دليل الطالب».

تأليف القلوب وجمعهم

على العقيدة الصحيحة

يلاحظ عليه دائما أنه لا يهيج النفوس ولا يوغر الصدور ولا يتصيد الزلات ولا يكتم القضية ولا يشيع الفتنة ولا يبث الكراهية، بل يحرص على تأليف القلوب مع عرض العقيدة الصحيحة بطريقة سلسة يقبلها الخصوم، والنتيجة أن جمع الناس على الخير، ولهذا لا تجد له مبغضاً أو كارهاً إلا من في قلبه دخن، بل ارتضاه الجميع، شهد له طلبته وزملاؤه سواء في جامعة الكويت أو في الجامعة الإسلامية أو في المجتمع الكويتي.

التأليف والتحقيق

ونشر العلم

ورغم مشاغله في الدعوة والتعليم فإن له نشاطا علميا في التأليف والتحقيق فخدم العلم بلسانه وقلمه وحاله وقاله، فله من التحقيقات الرائقة والبحوث المنسقة والرسائل المحققة ما يطول شرحه وبيانه خاصة خدمته لابن القيم ورسائله وعلمه، وتحقيقه لرسالة منظومة الكبائر، وغير ذلك.

معاملة الطلبة

معاملة أبوية

مما يؤثر عنه رحمه الله حسن معاملته للطلبة وعدم إحراجهم وتشجيعهم وتنمية قدراتهم وإيجاد التنافس الشريف بينهم في حفظ الآيات والنصوص وحسن الأداء حتى إن أولياء أمورهم كانو يأتون إليه يشكرونه على ذلك وكيف إن سلوك أبنائهم قد تبدل إلى الأحسن بأثر توجيهاته.

بره بوالديه وأسرته

فقد عرف عنه احترام والديه يبادرهما بتقبيل اليد ويغادرهما بتقبيل الرأس، وربى أبناءه أحسن تربية يشهد لهم الناس بحسن الأدب، وعلمهم المكارم، وحسن الخلق.

هذا ما تيسر إيراده في حق رجل نرجو له المغفرة وأن يتقبله الله بواسع رحمته وينزله منازل الشهداء ورحم الله صاحبه فهد الحسيني وجزاه مثل صاحبه.