«أداؤه الفني يُعد أسلوباً مركباً وشاملاً يجمع بين مقتضيات الفن وأصوله الأساسية»

يوم جديد بلا «بوعدنان»... وذاكرة رفاق الدرب تتدفق حباً

1 يناير 1970 07:39 م
علي اليوحة: استطاع بذكائه الفطري تطويع المسرح والتلفزيون والإذاعة

عبدالله الحبيل: لم يكن يبحث عن مجد شخصي... بل يهتم بالعمل المتكامل

هدى حسين: في الستينات... كان بوعدنان يقول ما لا يقدر على قوله أحد

محمد المسباح: وجود بوعدنان كان له تأثير كبير جداً في المنطقة العربية

عبدالله القعود: فنان حقق رسالة هادفة وواضحة

أحمد فؤاد الشطي: المنتمي إلى «المسرح العربي» يفتخر كون الراحل أحد مؤسسي الفرقة
توقف قلب الفنان العملاق عبدالحسين عبدالرضا، ولم تتوقف عيون المحبين عن ذرف الدموع حتى هذه اللحظة، وكأن البعض لم يستوعب الصدمة بعد.

فلا يزال الوسط الفني يتشح بالسواد حزناً على رحيل فارسه وصانع أمجاده، الذي أثرى الدراما والمسرح والإذاعة بأعماله الخالدة، على مدى أكثر من نصف قرن.

رفقاء الدرب استذكروا مآثر ومناقب الأب الروحي للفن الكويتي، «بوعدنان»، وفاضت منهم كلمات الحب لهرم استطاع أن يحفر أساسات متينة في الفن.

في البداية، نعى أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب علي اليوحة فقيد الحركة الفنية والمسرحية في دولة الكويت ومنطقة الخليج العربي الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا.

وقال اليوحة إن الفقيد يعد خسارة لا تعوض للوسط الفني الكويتي والخليجي والعربي، فبدايات أعماله الفنية التي كانت أثناء وظيفته الأولى في مطبعة الحكومة العام 1953 تدل على شغفه الكبير بالفن الذي سيطر على اهتمامه ووجدانه حتى تبلور أول عمل فني له بعد ابتعاثه لدراسة فنون الطباعة العام 1959، ولاحقاً كانت مسرحية صقر قريش العام 1961.

وأضاف أن خط عبدالرضا وأداءه الفني يعد أسلوباً مركباً وشاملاً يجمع بين مقتضيات الفن وأصوله الأساسية من ناحية، وبين الأثر العميق الذي أراد تركه لدى المتلقي من ناحية أخرى، واستطاع بذكائه الفطري تطويع المسرح والتلفزيون والإذاعة وجذب جماهير غفيرة أحبت الفن من خلال طلته في العديد من الأعمال الخالدة التي لا يختلف اثنان على أنها سجل لمحطات مهمة من تاريخ دولة الكويت، فقد ترك الفقيد أرشيفاً غنياً من الأعمال التي يمكن لأي مطلع أن يشاهد من خلالها تفاصيل الحياة الكويتية ويتتبع أحداثاً وتغييرات مفصلية طرأت على الدولة والمجتمع طوال 57 عاماً، هي عمره الفني.

من جهته، استذكر الفنان الكبير عبدالله الحبيل مآثر ومناقب رفيق دربه، قائلاً: «الحديث عن بوعدنان لا يمكن اختصاره في بضع دقائق أو خلال أيام أو حتى في شهور، وإنما لا بد أن يستمر الحديث لسنوات طوال بعدد السنوات التي عاشها وأمتعنا فيها، والتي أثرى من خلالها الحركة الفنية بأعماله الخالدة»، مضيفاً: «الجمهور الكويتي يدرك جيداً ما قدمه هذا العملاق على مدى مسيرته الفنية، للمسرح وللتلفزيون وللدراما وللإذاعة، لكن هناك أموراً لا يعرفها الجمهور عنه، أود أن أشير إليها الآن، منها أنني التقيت الفنان عبدالحسين عبدالرضا في أول عمل قدمته في مشواري خلال فترة الستينات، وهو مسلسل (الملقوف)، وكما يعلم الجميع أن البداية غالباً ما تكون صعبة على الممثل الشاب، الذي عادة ما يحتاج إلى من يقف بجانبه ويزيح عنه التوتر والقلق ورهبة الكاميرا، وهذا ما بدا واضحاً عليّ، إلى حد أن بوعدنان لاحظ هذا التوتر وهذا الارتباك، فاقترب مني وبدأ يعطيني النصائح والتوجيه والتشجيع، لكي أؤدي دوري بشكل جيد».

وتابع الحبيل: «لم يكن فناناً يبحث عن مجد شخصي، وإنما كان يهتم بأن يكون العمل متكاملاً من جميع النواحي، ويحرص على أن يكون زملاؤه في العمل أيضاً في أفضل أحوالهم الفنية والشخصية»، مكملاً: «هناك أيضاً جانب آخر لا يعرفه الجمهور عن عبدالحسين، ففي فترة الستينات كان الناس ينظرون إليه وإلى بقية الفنانين بنظرة متدنية، فلم يكن المجتمع وقتذاك يتقبل الفن كرسالة سامية، وهو ما كابده بوعدنان وغيره ممن الفنانين الذين عاصروا فترة الستينات».

وأردف: «بوعدنان من الفنانين الذين لا ينظرون إلى أدوارهم فقط، بل كان يجلس مع المخرج والكاتب والملحن ويتحاور معهم في كثير من الأمور الفنية، والهدف من وراء ذلك هو الخروج بعمل فني حقيقي». وختم كلامه بالقول: «عبدالحسين عبدالرضا لا يحتاج إلى البكاء، بل إنه بحاجة إلى الدعاء، نسأل الله يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته».

بدورها، لم تُخفِ الفنانة هدى حسين دهشتها من حجم المحبة التي يكنها الشعب الكويتي خاصة والشعوب العربية عامة للفنان عبدالحسين عبدالرضا، متسائلة: «ما هذا الإنسان الذي اجتمع على حبه جميع الناس؟ وما هذا التقدير للفنان الراحل؟ فإن الجميع اتفق على حبه وبكى على رحيله، الله يصبر أسرته، ويسكنه فسيح جناته، فهو بالفعل (فنان الشعب) كما أطلقوا عليه هذا اللقب، وهو دعامة الفن الخليجي أيضاً».

ولفتت حسين إلى أن اسم الفنان عبدالحسين عبدالرضا هو أول ما يذكره الفن الخليجي، قائلة: «عندما بدأ الوسط الفني الكويتي في الانتشار في الستينات، وعندما كانت الديموقراطية محدودة في تلك الفترة، كان بوعدنان يستطيع أن يقول ما لا يقدر أحد على قوله، وكان أساس الوعي، وقضايانا تهمه وتشغل باله، وتجلى ذلك في طرح رسائل عدة منها سياسية ووطنية واقتصادية ورياضية، وناقشها مع زملائه على خشبة المسرح أو في الإذاعة أو على شاشة التلفزيون، وكان مرآة لمشاكلنا، فهو فنان لن يتكرر ولن ننساه، إنا لله وإنا إليه راجعون، وعظم الله أجورنا».

أما المطرب محمد المسباح، فقال: «هذا المصاب أبكانا جميعاً، فنحن تعودنا على بوعدنان كأخ كبير يعيش بيننا، ويسكن معنا في بيوتنا، وهو ركيزة من ركائز الفن، ولن نوفيه حقه كونه أثرى الحركة الفنية بأعمال عديدة خالدة، حملت بين ثناياها رسائل اجتماعية هادفة». وأشار إلى أن وجود بوعدنان كان له تأثير كبير جداً في المنطقة العربية، وأضاف: «لا نغفل عن إنسانيته وطيبته ومحبته للجميع، والمحبة التي نالها المرحوم صعب أن ينالها غيره بسرعة»، متمنياً العمر المديد لكل الفنانين الكبار، لا سيما الفنان القدير محمد جابر الذي هو أحودج ما يكون الآن إلى الدعاء من محبيه.

ووجه الملحن عبدالله القعود عزاءه لأسرة الفقيد العملاق وللشعب الكويتي ولكل محبي بوعدنان، مضيفاً: «منذ الطفولة ونحن نضحك على خفة دم بوعدنان، حتى أبكانا رحيله بقدر ما أضحكتنا أعماله». وأردف: «هو حبيب الكل وليس له خلاف مع أحد، بل إنه فنان حقق رسالة هادفة وواضحة، حتى أضحى محبوباً في كل بيت كأنه واحد من أفراد الأسرة، وبفقدانه فقدنا الأب والأخ والصديق الذي رافقنا طوال حياتنا وأمتعنا على مدى نصف قرن، وبلا شك فإن الكويت اليوم قد خسرت علماً من أعلامها، الله يرحمك يا بوعدنان بقدر ما أسعدتنا».

وقال رئيس فرقة المسرح العربي أحمد فؤاد الشطي: «آلمنا إحساسنا بالفقد والخسارة لهذه القامة الكبيرة، ألم لا تستطيع الكلمات والسطور التعبير عنه، ونحن إلى الآن في مرحلة الصدمة».

وأضاف: «المنتمي إلى فرقة المسرح العربي يشعر بالفخر والاعتزاز كون الراحل أحد مؤسسي الفرقة وأن الفرقة كانت بداية انطلاقته الفنية»، لافتاً إلى أن صولات وجولات «بوعدنان» مع فرقة المسرح العربي هي التي صنعت هذا التاريخ المشرف للفرقة من «صقر قريش» و«اغنم زمانك» و«من سبق لبق» و«كويت سنة 3000» وغيرها العديد من الأعمال المسرحية الأخرى إلى جانب عمله الاداري بالفرقة.