رؤية ورأي

مسطرة القانون

1 يناير 1970 06:04 ص
لم استغرب أبداً من تجدد موجة الطائفية في الكويت، بعد ما نشر خبر هروب نحو 14 مداناً في قضية «خلية العبدلي» إلى إيران يوم اصدار محكمة التمييز حكمها النهائي، وذلك نقلاً عن مصادر أمنية رفيعة المستوى من دون تسميتها. فنحن الكويتيون نعلم جيداً أن وتيرة أزماتنا الطائفية مرتبطة على الصعيد الاقليمي بالخلافات السياسية والمواجهات العسكرية بين المحاور المتنافسة، وعلى المستوى المحلي متعلقة بالمناقصات المليارية والصراعات السياسية بين بعض الاقطاب.

من الأمور الخطيرة في الأزمات الفئوية - بشكل عام - الفجور في خصومة الشريحة المستهدفة. فعلى سبيل المثال، انتشرت - خلال الازمة الحالية - قائمة طويلة من أعمال ارهابية استهدفت الكويت تم إلصاقها ظلماً بطائفة معينة! من بينها - على سبيل المثال - جريمة تفجيرات المقاهي الشعبية التي راح ضحيتها 11 شهيدا وقرابة 100 مصاب. من يبحث عن الحقيقة سيكتشف أن تفجيرات المقاهي وراءها صراع بين تنظيمات فلسطينية، والجاني كان عمره 17 سنة عندما نفذ التعليمات وهو لا يعلم الدوافع التي تقف وراءها، كما جاء على لسان محاميه الاستاذ نجيب الوقيان في لقاء تلفزيوني بعنوان «أشهر الجرائم السياسية في الكويت».

بعيدا عن مصداقية تلك القائمة، خطورتها تكمن في ما تحملها من مشروع كراهية ضد شريحة مجتمعية، وفي تبعاتها على النسيج الاجتماعي. لذلك أطالب المعنيين في وزارتي الداخلية والإعلام بتتبع مصدر القائمة ومحاسبته وفق قانون حماية الوحدة الوطنية.

بالرغم من أننا متفقون على أن الأزمات الطائفية كيدية وخلفها منتفعون، إلا أن أغلبنا يشارك في تأجيجها أو يتقاعس عن وأدها في مهدها. والأزمة الطائفية القائمة ليست استثناء عن سابقاتها في البعدين: المشاركة في تأجيجها والتقصير في التصدي لها.

وللأسف هذه الظاهرة المجتمعية السلبية امتدت إلى النخب التي كنا نعول عليها كثيرا في التصدي للفتن الطائفية، كالأكاديميين والكتاب والمثقفين. فتجد بيننا نحن الأكاديميين من يؤبن - خلال الأزمة الحالية - أحد زملائه السابقين، ولكنه يمتنع عن المشاركة في احتواء الأزمة الحالية ولو بمقال «واتسابي». بل أن تجد بين النخب من يكتب مقالاً تحريضياً يطالب فيه النواب «الشيعة فقط» بمحاسبة الحكومة، على خلفية اعتقال أقرباء الهاربين، واتباع سياسة الصوت العالي معها والانتقال إلى صفوف المعارضة في البرلمان! بالرغم من استنكاري تلك الاعتقالات، إلا أنني أتساءل: هل المنشود هو تقويم الحكومة أم الانتقال إلى صفوف المعارضة؟

«يجب أن تُنفض وزارة الداخلية، كل أجهزة وزارة الداخلية، المباحث الجنائية، أمن الدولة وغيرهما. لا خير فينا إذا احنا قاعدين على هالكراسي وهذا الظلم يصير. الظلم ظلمات، احنا راح نصاب بعدين بشيء، خل نبري ذمتنا أمام الله قبل لا نبريها أمام الناس». هذا مقتطف من كلمة سيد عدنان في الجلسة البرلمانية التي خصصت لقضية المرحوم محمد الميموني، أهديه إلى الأكاديمي الذي خص النواب الشيعة في مقاله التحريضي، وأسأله هل مواجهة سيد عدنان لوزارة الداخلية في ذلك اليوم كانت بدوافع طائفية أم التزاما منه بالمبادئ الانسانية؟

الدور المطلوب من النخب وفي مقدم هم الأكاديميون، هو التمسك بالمبادئ الانسانية والثوابت الدستورية، وتوعية المجتمع بأبعاد الفتنة، ومطالبة المواطنين بعدم المشاركة في تأجيج البعد الطائفي في الأزمة. ومن بين الأكاديميين البارزين الذين لعبوا هذا الدور، النائب السابق الدكتور عبيد الوسمي الذي حذرنا جميعا من خلال متابعيه عبر «تويتر» - وعددهم يزيد على 710 آلاف - قائلا ان «على الكويتيين من الشيعة قبل السنة الحذر من مخطط خبيث يراد جر الكويت اليه». وفي تغريدة سبقتها نبه إلى أن «الكويت ليست مسرحاً لأحد ومن لديه أجندة طائفية فلينفذها في بلاده».

بالإضافة إلى دورهم في احتواء الأزمة، على الأكاديميين توظيف منهجيتهم العلمية - المبنية على التحليل الموضوعي - في جلسات حوارية صريحة تضم نخباً من جميع أطياف المجتمع. لأنه من المهم أن نطلع على تصورات الآخر في شأن تسلسل أحداث قضية «خلية العبدلي» منذ أيامها الأولى، ومن الضروري أن نستمع إلى شكاوى وهواجس جميع الأطراف تجاه مجريات القضية. لأن تبادل هذه المعلومات في مناخ أكاديمي سيعزز الثقة بين شرائح المجتمع وسيزيد من لحمته. ومن جانب آخر، عليهم الخروج بمقترح مشروع وطني لترسيخ ثوابتنا الوطنية في المجتمع، ومن بينها مرجعية الدستور، واحترام القضاء وأحكامه والعمل من أجل تطويره، والالتزام بتطبيق القانون على الجميع بمسطرة واحدة... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

[email protected]