| د. تركي العازمي |
قيادي المؤسسة هو صانع التغيير وباسط نفسه كنموذج «Role Model» كقدوة تحدد ثقافة المؤسسة... ولهذا قال ابن التعاويذي شاعر العراق في عصره «إذا كان رب البيت بالدف ضاربا... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص». وقد قيلت في الرويبضة!
فإذا كان القيادي قد حصل على منصبه عبر الواسطة،المحسوبية،المحاصصة «كمعيار للاختيار أتبع عند التعيين» منذ عقود عدة، فطبيعي جدا أن يندرج هذا النوع من القياديين تحت مصطلح «القدوة غير الحسنة»، حيث إن ما جرى معه/له سيطبقه مع غيره لأن من أتى به أو من هم على شاكلته، سيشكلون أداة ضغط عليه لاختيار فريق عمله، وبالتالي سيخلق للمؤسسة «قيادي وتابعون» بالمسمى، تجد حضورهم فقط في كشف الرواتب الذي تحدده الموارد البشرية وتصرف لهم المبالغ بغير وجه حق، ولك أن تتخيل مستوى الإنتاجية وروائح الفساد التي ستخرج من هذا النوع من المؤسسات.
وللاستدلال... خذ عندك دعاء موسى عليه السلام «رب اشرح لي صدري? ويسر لي أمري? واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي? واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي? أشدد به أزري? وأشركه في أمري? كي نسبحك كثيرا? ونذكرك كثيراً، إنك كنت بنا بصيراً».
نفهم من هذا الدعاء? أهمية اختيار فريق العمل، فعلى الرغم من أن موسى عليه السلام «القوي الأمين»، كما جاء في قصة أهل مدين وقال عنه الله عزّ وجلّ «واصطنعتك لنفسي»، فاختياره لأخيه هارون كان لمهمة الدعوة إلى الله ومكملاً للنقص في قوله تعالى «وأخي هارون هو أفصح مني لساناً»، وهي المهارة التي يحتاجها في الدعوة بمشاركة أخيه... إذا العمل جماعي!
وفي قصة موسى مع الخضر تتضح أهمية العلم الذي جهله موسى مع أن التوراة بين يديه... فماذا نستنتج؟
نفهم أن التعليم? الصحة? الاقتصاد? ثقافة المجتمع وغيرها إنما هي علوم تخصص فيها الأكفاء وتستوجب الضرورة الأخذ بها، فهي حتى في العلم الحديث نجده قد حددها كأهم شرط من شروط القيادة بجانب الرشد والنزاهة، وبالتالي عندما تنصب الكفاءات المناصب القيادية، فمن الطبيعي أن يقع اختياره على فريق عمله وفق معايير صحيحة وستخرج على أثرها قرارات لا يفهمها البعض لكن الأكيد هنا أنه قد أخذها عن علم ومعرفة وخبرة وبعد مشورة من فريق العمل العامل معه والذي حدد له إطار عمل أخلاقي مبني على الثقة ومحاط بحوكمة... بمعنى القرار الانفرادي/الارتجالي لا مجال له؟
حاول أن تعيد قراءة السطور أعلاه? وأعد فضلاً لا أمراً قراءتها وبعدئذ خذ ما شئت من الأمثلة الحية من مؤسساتنا (وزارة التربية،التعليم العالي? الصحة? التنمية،الاقتصاد? المجلس الأعلى للتخطيط? الشركات والهيئات)، وقم بإسقاط تلك المفاهيم عليها عن طريق استعراض مستوى بعض قيادييها من مؤهلاتهم وكفاءات وخبرة ونزاهة، فستجد حينئذ أنها في واد ومجال عمل تلك المؤسسات أو الجهات في واد آخر. فكيف يكون هذا النوع من القياديين قدوة، وهو قد أسقط على المنصب عبر ما يسمى «التعيينات الباراشوتية»!
الشاهد أن المحاصصة، المحسوبية، الواسطة، قد أفسدت مؤسساتنا، فالعديد من القيادات لا تمتلك المعرفة ولا تلم بمهام العمل وقدرتها على إدارة شؤون المؤسسات وتحسين الأداء شبه معدومة، ومن ثم فهي لا يمكن أن تكون «القدوة» للعاملين التابعين لها!
غريب أمر أصحاب القرار، فكيف لنا على سبيل المثال قبول أستاذ قانون أو هندسة أكاديمي الخبرة في إدارة حقل تربوي أو ثقافي أو اقتصادي/تنموي، وقس عليها أيضا طريقة اختيار نواب مجلس الأمة ممن تعتبر مؤهلاتهم لا علاقة لها في مهمة النائب «تشريع ورقابة»!
لذلك? لا تستغربوا من تفشي الفساد? ولا تعتقدوا أن ما ذكرناه فيه إنتقاص من قدر أحد بل العكس صحيح، فنحن نسمي الأشياء بمسمياتها ونبحث عن قدوة صالحة، ولهذا تجدنا على الدوم ننادي بتغيير معايير الاختيار الحالية التي يجب أن نتوقف عن الأخذ بها إن كنا ننشد الإصلاح قولاً وفعلاً... الله المستعان.
[email protected]Twitter: @Terki_ALazmi