رواق

السلوك القراذائي

1 يناير 1970 04:19 م
أعترف بأنني نشأت طفولتي في أسرة تفترش الجرائد للغداء عليها، ولكن عندما كبرت قليلاً لم تعد تقوم بذلك، وأظن أن سلوكي القراذائي (من قراءة وغذائي) قد دفع بأسرتي إلى تغيير سلوكها في تحضير السفرة من الجرائد إلى السماط.

كنت أقرأ أكثر مما آكل، وكانوا يشكون من نحافتي التي تظن الكثيرات من الأمهات أنها نقيض الصحة التي ربطنها بالسمنة من باب المعتقدات الخاطئة. ومع كل حبة أرز أو عيش أزيحها عن خبر أو صورة أو موضوع أو صورة، أغث أبي بسؤال جديد عن معنى كلمة يكاد أن يغص بها وهو يشرحها. أذكر منها مثلاً: ما معنى الرأي العام؟

ذهبت كل هذه الذكريات إلى موقعها أسفل الذاكرة التي علتها ذكريات كثيرة في الدراسة والوظيفة والسياحة والسفر والوجوه والأسماء والصداقات والعداوات، ربما تتزاحم حتى صرت أشكو ضعف الذاكرة من كثرة الذكريات... حتى رأيت مقالي يتلحف مجموعة من الأرغفة جلبها أستاذ جامعي من الخباز، فصورها وأرسلها لي مذيلة بعبارة: الله يجازي الخباز، والواقع أن الله يجازيني بأفعالي عندما كنت أقرأ للراحلين محمد مساعد الصالح وحمد السعيدان يغرقان تحت مرقي البامية والملوخية فيصبحان أشهى وألذ.

لم يكن الكاتبان الكبيران يضعان صورهما، أما الآن فالصورة فوق المقال، ما يعني أن أشكالنا ستكون إما فاتحاً للشهية أو ساداً لها، وسببا لنحافة أو سمنة، ما يزيد من تأثير الكتاب الذي فاقه مشاهير «السوشايل ميديا» أو «الانفلونسر»، أي المؤثرين كما تمت تسميتهم في احتكار التأثير عليهم لولا خبز الخباز.

نسيت أن أذكر أن عدم افتراش أسرتي الجرائد على الغداء أدى إلى مراجعتي عيادات التغذية بحثاً عن رجيم يعيد ذكريات النحافة أيام القراءة الغذائية أو الغداء القرائي.

ولن أنسى أن معدل القراءة في تلك الأيام أعلى من معدل القراءة حالياً، حتى بت أشتاق إلى جريدة آكل عليها لأقرأ. فالقراءة أثناء الأكل بأسلوب المفاجأة، إذا لا تعلم من سيرافق وجبتك اليوم، أمتع من التصفح والقراءة الإلكترونية التي يظن البعض أنها ترفع مكانة الكاتب بعدم الأكل على مقالاته أو عدم صنع سفن ورقية منها، وهو ما يحصل عفوياً مع الصحف المطبوعة وسيحصل عمداً ومع سبق الإصرار والترصد مع الصحف الإلكترونية عندما تطبع مقالات كاتب بعينه لتنتقم منه بافتراشه في قفص الطيور كسلوك طفولي.

المسألة عموماً تبادل أدوار، فالصحافي أو الكاتب خباز الجريدة، ولا مانع أن يذهب خبره أو خبزه للخباز ليلف بها خبزه... فخبز كتبتيه يا الرفله اكليه.

reemalmee@