رؤية ورأي

صباح العطار وحسن عباس

1 يناير 1970 01:07 ص
في مساء الثلاثاء من الاسبوع الماضي، أقام ملتقى المحبة والسلام حفل عشاء لمناسبة عيد الفطر تحت شعار «كلنا يداً واحدة». وقد لفت انتباهي ما جاء في كلمة راعي الحفل السيد صباح العطار، حين صرح بتواضع كبير بأنه ليس راعي الحفل وأن دوره اقتصر على تجميع الحضور في الحفل، وأن الدعوة لذلك الحفل قد وجهت من الجميع إلى الكل، واختتم كلمته بتوجيه الشكر إلى كل من شارك وساهم في تنظيم الحفل.

حقيقة أنا لا أعرف السيد العطار معرفة شخصية رغم لقائي به لفترة قصيرة لمرتين أو ثلاث مرات في ديوان الأكاديميين في منطقة الرميثية، ولكن ما طرحه في الحفل جعلني اشتاق للقاء به ومحاورته في مشروعه الانساني الوطني. بالنسبة إلي، السيد العطار من القلائل الذين يحبون العمل التطوعي من أجل تحقيق أهداف مجتمعية خالية من شوائب الأهداف الشخصية، حيث إن تجاربي الشخصية تضمنت التعامل مع العديد من المنخرطين في الأعمال التطوعية، ضمن هيئات المجتمع المدني المشهرة وغير المشهرة، من الذين يسعون وراء مصالحهم الشخصية، ومن أجل تحقيقها شغلوا تلك الهيئات عن مهامها وأهدافها وحولوها إلى واجهات اجتماعية لهم.

لا شك أننا في الكويت بحاجة متجددة لتعزيز وحدتنا الوطنية، بسبب تكرار الأزمات التي تقسم مجتمعنا، أو بموجب تنامي الأخطار الخارجية خاصة بعد توالي هزائم «داعش» في دول الجوار والمنطقة. لذلك أناشد القائمين على ملتقى المحبة والسلام عقد جلسة حوارية بمشاركة فريق من المتخصصين (panel discussion) في قضايا التعددية ومكافحة التمييز الطائفي والعرقي والطبقي. ورغم معرفتي بالعديد من الشخصيات المناسبة للمشاركة ضمن الفريق الحواري، إلا أنني سأكتفي - في هذا المقال - بترشيح الكاتب المتميز الدكتور حسن عبدالله عباس، لما اشتهر به من طرح موضوعي مواكب لمستجدات الساحة المحلية والإقليمية والدولية، وإن كنت لا أتفق معه في بعض تحليلاته وآرائه. والسبب وراء استثنائي له من بين الآخرين، هو قراره قبل أيام بالتوقف عن الكتابة في جريدة «الراي»، والانتقال إلى الكتابة في مواقع إلكترونية على شبكة الانترنت.

لا شك أن هناك علاقة ثنائية الاتجاه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من ناحية والصحافة من ناحية أخرى، فكلتا الضفتين تؤثّر وتتأثّر بالأخرى. وكتاب المقالات مكون أساس ضمن هذه المعادلة الديناميكية المعقدة. وأهمية مقالات الكاتب مرتبطة بعدد ومستوى قرائه وبدرجة حيادية منظوره، فضلاً عن مستوى ومساحة انتشار الصحيفة - التي يكتب فيها - بين شريحتي المسؤولين والمواطنين. وحيث إن جريدة «الراي» تعتبر من أبرز الصحف اليومية المحلية ومن أكثرها انتشاراً، فضلا عن ما تتميز به مقالات الدكتور حسن، لذلك أقول جازماً أن قرار الدكتور حسن، خسارة جسيمة لمسيرة الإصلاح - المتعثرة أساساً - في الكويت.

انزعاجي من قرار الدكتور حسن ليس مرتبطاً فقط بتبعات قراره في البعد المحلي، بل منشأه الاساس متعلق بالبعد الخارجي، وهو البعد الأهم في ظل الظروف الاقليمية الحرجة، وأثناء مرحلة تموج في علاقة الولايات المتحدة الأميركية بدول المنطقة على خلفية ملفات متعددة تأتي في مقدمها قضايا مكافحة تمويل الارهاب وتقارير الحريات وخلافها الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية. لذلك أجد أن خروج الدكتور حسن من مجتمع كتاب الصحف الرسمية، جاء في التوقيت الوخيم.

هناك دور لمجتمع الكتاب الكويتي في صياغة سياستنا الخارجية أو في دعمها. فعلى سبيل المثال، يشارك نخبة من كتابنا في تنظيم وتعزيز علاقتنا كدولة مع دول الجوار، حيث إن مقالاتهم مقروءة ليس فقط من قبل وزارة الخارجية الكويتية، بل أيضا من موظفين في وزارات الخارجية بتلك الدول، بالإضافة إلى خبرائهم الاستراتيجيين وكتابهم المهتمين بشؤون الكويت. وهذه المتابعة لكتابات بعض النخبة من مجتمع كتابنا ليست مقتصرة على دول الجوار، حيث إن الدول العظمى وفي مقدمها الولايات المتحدة أيضاً، ترصد كتاباتهم من خلال موظفين في الخارجية الأميركية أو عبر بيوت الخبرة أو خلايا التفكير (think tanks) - من بينها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي التي لها فرع في بيروت - المسؤولة عن اصدار العديد من الأبحاث والدراسات لتغذية قاعدة معلوماتية وإستراتيجية للأحزاب والحكومات في أميركا.

بكل تأكيد سيتابع قراء الدكتور حسن، مقالاته أينما نشرت، وقد يزيد عدد قرائه إن استثمر مساحة الحريات المتاحة على الإنترنت، ولكنني أخشى أن ينكمش أو يتوقف دوره الايجابي - كأحد نخب مجتمع الكتاب الكويتي - في تشكيل السياسات الخارجية النابعة من دولة الكويت أو الموجه إليها. لذلك، وبدوافع وطنية خالصة، أدعو إلى تضافر الجهود من اجل عودة الدكتور حسن لمزاملتنا في جريدتنا المتميزة... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

[email protected]