| د. فهد سالم الراشد* |
بدأت قيمنا وعاداتنا ومثلنا مع مسرحية «ضاع الديك» وبدأ موروثنا مع مسرحية «4321 بوم»، وبدأ ضحكنا ورقصنا البريء مع «فندوز التمر ورقصات اليامال في هذه المسرحية»، ثم جاءت مغامراتنا واستنهاض عروبتنا وتراثنا وموروثنا الشعبي مع مسرحية «السندباد البحري» ومسلسل «الإبريق المكسور»، وتربينا على أخلاق مسلسل «إلى أبي وأمي مع التحية» وبدأت رجولتنا مع «عبيد في التجنيد»، وبدأ وعينا البرلماني مع مسرحية «انتخبو أم علي»، أعمال كثيرة لا تعد ولا تحصى، لا أدّعي أنني شاهدتها كلها، لربما معظمها لهذا السندباد الكويتي الذي مثلما شرّق وغرّب في مركبه الشراعي يعب البحر عبا، ويمخر في أمواجه، ويجوب الدول، كذلك أعماله المسرحية والتلفزيونية تناولت كل مناحي الحياة اليومية التي نعيشها، ومثلما استطاع أن يمازج في العمل الواحد بين التراجيدي والدرامي والكوميدي، وهي مهارة فائقة لم تتأت إلا للزعيم عملاق التمثيل العربي عادل إمام. أيضا الفنان القدير عبد الرحمن العقل استطاع ربط الماضي بالحاضر والمستقبل، بطلنا الفنان عبد الرحمن العقل ذاكرة فنية رصينة، وأرشيف مسرحي تلفزيوني، وإن كان هو قدساوي وأنا عرباوي.
إن الذي حثني على كتابة هذا المقال، تلك المقابلة الراقية والأنيقة والعذبة التي استضافت الفنان القدير عبد الرحمن العقل، التي كشفت علو كعب الرجل بالساحة الفنية الكويتية والعربية والعالمية، ومتابعته الحثيثة لكل ما يعرض على الشاشة الصغيرة والكبيرة من أعمال، أيضا كشفت قدرة هذا الفنان على التكييف مع الآخرين في الوسط الفني، والنأي بنفسه عن جميع الصراعات، والتحاسد والتباغض، وكشفت عن مهارته في تقدير المسافات بينه وبين الآخرين في زمن ضاعت فيه المسافات، كشفت تمتعه بثقافة فنية عالية المقام- لا سيما- حينما سئل عن الدراما الكويتية، فأجاب إجابة وافية وصحح لنا معلومات كثيرة، وأن الدراما الكويتية تخطت حدود الخليج وتربعت على عرش الدراما العربية، وأذكر في الجزائر كانوا يتابعون بشغف مسلسل «خالتي قماشة» ومسلسل «خرج ولم يعد»، والآن في دول المغرب العربي مثلما تفضل الفنان عبد الرحمن العقل، تستهويهم الدراما التركية والخليجية، وعندما أقول الخليجية فعلى رأسها الدراما الكويتية، ومثلما ذكر الفنان عبد الرحمن العقل، فإن الفيصل في ذلك كثرة الجوائز التي تحصلت عليها الأعمال الكويتية أخيرا.
لفت نظري حديثه العذب عن زملائه الفنانين وكيف يذكرهم بأدب جم، لا يجرح أحدا ولا يقدح بأحد ولا ينتقد أحدا، ليس مجاملا، بل هي خطوط عريضة من التقدير والاحترام والذوق الرفيع، كما أنه كان موضوعيا في الطرح؛ فمقياس النجاح الآن هو شباك التذاكر.
بنبرة أسى يستذكر فناننا القدير عبد الرحمن العقل، ماضي المسرح الذي استطاع أن يجمع فيه خمسة آلاف مشاهد، ويعرض المسرحية مرتين إلى ثلاث مرات يوميا، أما الآن فليس بمقدوره أن يقوم بذلك، إلا أنه ذكر بأن هناك من زملائه من أتوا بعده استطاعوا أو باستطاعتهم أن يجمعوا هذا العدد من المشاهدين لعرض مسرحيتهم، وذكر ثلاثة أسماء لامعة في عالم المسرح هم الفنان القدير عبد العزيز المسلم والفنان القدير طارق العلي والفنان القدير حسن البلام، طبعا نحن نقدر كل الفنانين، ولكل مجتهد نصيب، والساحة الفنية تسع الجميع، وتحتاج إلى المزيد من الفنانين ومن الأعمال، وبالنظر إلى هذا التاريخ الممتد والحافل بالإنجازات الفنية الرائعة والأعمال القيمة، للفنان القدير عبد الرحمن العقل، لا نجد مسرحا له! ولا أعني المكان، بل مدرسة فكرية ثقافية في فلسفة المسرح.
إذا كان الفنان الكبير عادل إمام قد أنشأ مسرحا وأسس مدرسة فنية خاصة بطريقة تمثيله وأدواره، وكذلك فعل فناننا الكبير والقدير عبد الحسين عبد الرضا، أنشأ مسرحا، وأسس مدرسة فنية خاصة به، وأيضا فناننا الكبير والقدير سعد الفرج، أنشأ مسرحا وأسس مدرسة خاصة به، فأين مدرسة عبد الرحمن العقل؟ أين مسرح عبد الرحمن العقل؟ عبد الرحمن العقل الممثل والكاتب والمخرج والمدرب في وزارة التربية لحفلات المناسبات الوطنية والأوبريتات، أين هو من هذا كله؟
عبد الرحمن العقل هو الفنان المخضرم، ويعد زعيم الجيل الثاني، هذا الجيل الذي انكمش وتوارى عن الأنظار، لا أدري ما هي النكسة النفسية التي أصابت هذا الجيل إذاما استثنينا منه الفنانة القديرة هدى حسين، التي استطاعت أخيرا أن تضع لها أجندة لخارطة طريقها، بمعدل مسلسلين من كل سنة في شهر رمضان على خطى الفنانتين العملاقتين سعاد عبدالله وحياة الفهد. كنا نتوقع من فناننا القدير عبد الرحمن العقل أن تكون له مسرحية واحدة فقط على أقل تقدير سنويا يصل صداها إلى كل البلدان العربية، ونقتبس عبارته المسرحية معاتبين «ناسينا... ناسينا... ناسينا». الممثل ليس ملكا لنفسه؛ فلا يحق له الاستقالة أو التقاعد أو العزلة، الممثل لا يصدأ، ولا تنتهي صلاحيته،لأنه يحمل رسالة اجتماعية وإنسانية، نحن بحاجة إليكم عودوا إلى أماكنكم، هذه رسالتي إلى الجيل الثاني وأذكر منهم عبدالله الحبيل، هيفاء عادل، حسين المنصور، محمد السلمان، جمال الردهان، عبدالعزيز الحداد، باسمة حمادة، زهرة الخرجي... إلخ، لكم التحية والتقدير... ولكن تذكروا معي بأن الساحة تسع الجميع، والميدان هو الفيصل، والمبدع هو الإنسان وليس المكان؛ فالمكان لا يصنع مجدا؛ بل الإنسان المبدع يصنع مجدا له في أي مكان، ومن أي موقع، والإنسان المبدع إذا ما وضعته في علبة فارغة، سوف يصنع منها بيتا أنيقا.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]