خواطر صعلوك

باراباس أم يسوع؟

1 يناير 1970 01:58 ص
على طاولة مطعم من الدرجة الثانية جلسنا متحلقين كمجموعة أصدقاء، منهم المسلمون ومنهم المسيحيون ومنهم دون ذلك.

كنت أصغرهم سناً... وأقلهم حماساً في النقاش الذي كان عن مدى الوعي السياسي الذي تتمتع به الجماهير والتي أصبح واقعها أليماً إلى حد الانهيار في العراق وسورية وليبيا واليمن.

وبينما كان كل واحد منهم يدلو بدلوه، إذ أخذ الدلو صديق عربي مسيحي بهوية إسلامية، فأسقط الدلو في البئر وأخرج ما عنده، فوالله ما رأيت عبقرياً من الجالسين يفري فرية في محاولة إنطاق التاريخ، قال وكأنه شخص اعتاد أن يسمع صوت الآذان مع قرع الأجراس:

لقد حدث هذا الأمر من قبل الجماهير التي لا تتعلم من أخطائها أو هكذا يُهيأ لي، فكما تعلمون أن التاريخ يبدو أكثر وضوحاً عندما نقرأه على الورق، أما وقت حدوث الحوادث فأنت عنصر ذري في نهر عظيم جارٍ.

«أيها الجماهير...من تختارون باراباس أم يسوع؟ قال هذا السؤال ثم اتخذ وضعية المثقف في لقاء تلفزيوني، حيث لامست أطراف أصابع كلتا يديه بعضها بعضاً قائلاً:

يبدو من خلال الأناجيل أن باراباس رجل يده اليمنى ذات قوة وبطش و(قتال قتلة)، وقاطع طريق ورئيس عصابة برتبة تجعله ضارباً بقوانين الدولة الرومانية عرض أقرب درع لجندي من جنود بيلاطس الحاكم الروماني وقتها.

باختصار لقد عاث باراباس في الأرض فساداً وفتنة، وإذا أردنا أن نضع تقريباً لغوياً للفاصل الزمني الذي يبلغ 2000 عام تقريباً بيننا وبين باراباس فنستطيع أن نقول إنه رئيس مليشيات إرهابية في حالة الحرب، أو وكيل وزارة فاسد، ورغم ذلك فهو لاصق في الكرسي بصمغ سوداني في حالة السلم.

يسوع هو سيدكم عيسى عليه السلام دون الخوض في تفاصيل يكمن الشيطان فيها.

يوحنا ولوقا ومتى ومرقس يروون القصة أينما ذهبوا وأينما جلسوا...حتى كتبوا الأناجيل.

تقول القصة إن الحاكم اليوناني اعتاد أن يطلق سراح سجين للجماهير، وفي هذه السنة كان يسوع الناصري مسجون سياسي كرسول خذله قومه مع باراباس الذي جعل القوم يعانون كآبة المنظر وسوء المنقلب، فخرج بيلاطس أمام دار الولاية ليخير الجماهير قائلاً: من تريدون أن أطلق لكم. باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح؟

ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ اليهود حرّضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع. وأقنعوهم بشكل أو بآخر أن البلطجي الفاسد أقل خطراً على الأمة من المصلح المنقذ، فأجاب الوالي وقال لهم: مَن مِن الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟ فقالوا:باراباس. قال لهم بيلاطس: فماذا أفعل بيسوع الذي يدعى المسيح. قال له الجميع: ليصلب.

الجماهير اليونانية طالبت بإعدام سقراط بتهمة الزندقة، الجماهير اليهودية هنا طالبت بصلب المسيح بتهمة مناهضة الدولة، جماهير مكة طالبت برحيل نبيكم من مكة.

إذا كنا بين الجماهير من ألفي عام وعرض علينا سؤال: من تختار باراباس أم يسوع؟ فبالتأكيد بوعينا الآن أننا سنختار يسوع، سنختار القيم والمبادئ والحرية والفضيلة وكل الأشياء الجميلة التي في الأنبياء والتي نتكلم عنها ولا نمارسها، سنختار المسيح لأننا بعيدون عن ساحة اتخاذ القرار أصلاً.

الجماهير التي حيّرت غوستاف لوبون وإريك هوفر وعلماء الاجتماع والنفس، والتي عادة تخطئ طريقها في كل مرة يطلب منهم أن يدلوا برأيهم، ليس لأنهم غوغاء ومنحطون ولا يجتمعون على البديل الواعي كما يقول الآخرون. ولكن لأنهم دائما يملكون أدوات ثقب السفينة من دون أن يمتلكوا قوارب النجاة.

لتعلم الجماهير العريضة التي طالما تكلم الجميع بأسمائها أنها يجب أن تنحاز إلى المصلحين الذين يوحدون الكلمة ليس لأن قانون الوحدة الوطنية يقول ذلك، وليس لأن تصاريح كثيرة من الذين يرددون عبارات حب الأوطان ورغم ذلك يثقبونها، ولكن لأن اختيار الأوطان اليوم في ظل الأوضاع المحيطة بنا يعتبر مثل اختيار يسوع أمام باراباس.

ولتعلم الجماهير العريضة السنية أو الجماهير الشيعية أن باراباس ويسوع لا يمثلون هنا طرفاً سنياً وآخر شيعيا، بل يمثلون إما سفينة واحدة... وإما قوارب نجاة مثقوبة.

ثم فجأة نظر لي الناطق وكأنه رأى علامات التعجب التي ظهرت فوق رأسي، وقال: وأنت أيها الكاتب الصغير...من ستختار باراباس أم يسوع؟

قلت له أختار أن ننهي النقاش قبل أن اتهمك بتهمة التنصير انفجر الجميع من الضحك، وعدنا جميعاً إلى بيوتنا ونحن على يقين أن هذا الرجل إما مسلم يخفي إسلامه... أو مجنون!

في السيارة وبينما نحن عائدون يسألني صديقي:صحيح...من ستختار؟

فقلت... لعله ينبغي أن نسأل القراء».

كاتب كويتي

moh1alatwan@