مسرح الطفل... مسرح «العيادي»
| عادل المشعل* |
1 يناير 1970
07:12 ص
يعتبر أدب الطفل من أهم أعمدة بناء المجتمع كونه يخاطب فئة مطلوب منها ان تساهم في بناء الوطن في المستقبل بعد ان تتلقى التعليم في شتى المجالات، اضافة الى الرؤية للحياة بأسلوب معاصر شرط ان يكون ذلك ضمن الثوابت الدينية والاجتماعية وتلك مهمة ليست سهلة.
وأدب الطفل هو فن أدبي لكافة الاجناس الادبية من شعر ونثر مؤلفة للاطفال دون سن المراهقة وهي تقدم لهم عملا ابداعيا يقدم معلومات وخبرات وقد يكون مسرح في اطار درامي رائع يقدم المتعة والتسلية مع تفاعل مع الجمال في الحياة ومعرفة حقيقة الحياة حيث الصراع بين الخير والشر ولزوم الوقوف في وجه الشر مهما كانت الظروف.
وليس كل أديب لديه القدرة على ان يكتب للطفل اذ انه بحاجة الى قدرة ابداعية خاصة من حيث مراعاة لغة الطفل واسلوب تركيب الجملة بحاجة الى قدرات خاصة من شأنها أن تعمل على تنمية المهارات اللغوية والمعلومات لدى الطفل،وبالتالي فليس كل من لديه موهبة كتابة حقيقية يكون مؤهلا في ان يكتب للاطفال بل يجب ان يكون دارسا لادب الطفل او مطلعا عليه بصورة كبيرة.
ومن الامور المتعارف عليها كتابة عمل للاطفال يكون فيه رسالة تربوية سواء من خلال الشعر او القصة او المسرح الذي لديه القدرة على استيعاب كافة الابداعات.
وأفضل أسلوب لتقديم مسرح مميز هو جذب الطفل الى كل ما يقدم في المسرحية سواء من النص او الاداء من قبل الممثلين والاهم عامل الجذب عبر بث الدهشة لدى المتلقي/ الطفل ثم زرع القيم المثلى لدى الاطفال من حيث الدين والاخلاق وحب الوطن وحب عمل الخير ومساعدة الناس على اختلافهم.
وفي الكويت لدينا تاريخ طويل في مسرح الطفل وهنا أتذكر الفنان المرحوم أمير عبد الرضا حين قدم العرائس،ولدينا بعض المسرحيات الراقية مثل مسرحية «السندباد البحري» التي أنتجت في عام 1978م وكانت تلك المسرحية نقلة نوعية في تاريخ مسرح الطفل على مستوى الكويت والخليج والوطن العربي وهي من تأليف محفوظ عبد الرحمن واخراج منصور المنصور وبطولة عبد الرحمن العقل وخالد العبيد واستقلال احمد ومحمد السريع وماجد سلطان،وما زالت أغاني المسرحية تردد الى يومنا هذا مما يعكس اصالة هذا العمل الذي ما زال محفورا في ذاكرة الفن الكويتي.
ولدينا الفنان خليفة عمر خليفوه الذي يعتبر اكثر من قدم مسرحيات للطفل على مدى ثلاثين عاما،وآخرون مثل ومحمد جابر وهدى حسين وشعراء مثل فايق عبد الجليل وتلك الاسماء للذكر وليس للحصر.
وبالطبع هناك سلسلة من الاعمال المسرحية المتفاوتة في مستوياتها وهذا امر طبيعي وهنا تبدأ المشكلة فقد كانت هناك مسرحيات لا يهمها ان تقدم عمل هادف بل كل همها ان تجبي «عيادي اليهال»،وهنا انا لا أؤيد ان تعرض المسرحيات مجانا لان المنتج لديها مصاريف كثيرة ولكن عليه ان يقدم مسرحية جيدة و«عليه بالعافية عيادي اليهال».
كم يؤلمني ان تكون البروفة للمسرحية التي ستقدم للطفل لا تتعدى سوى ايام معدودة،ويكون النص ركيكا ولا يقدم مادة هادفة للطفل بل هو عبارة عن حوار عادي وتعليقات ساخرة واغاني سبق تسجيلها مع فرقة من الشباب تقدم بعض الرقصات معها مضافا الى ذلك اضاءة قوية بألوان عدة معتقدين ان ذلك يشكل ابداعا كبيرا في عالم مسرح الطفل وهذا ليس صحيحا.
ولان بعض الامهات يحرصن على ان ذهاب أطفالهن لحضور مسرحية يفترض انها تقدم للطفل فتقوم بارسال فلذة كبدها مع الخادمة التي كتب عليها ان تحضر تلك المسرحية وعليها مراعاة الطفل من حيث اللبس والمشرب والمأكل.
لدي اقتراح في ان يقوم المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب بعمل مسابقة لافضل ثلاث مسرحيات مكتوبة للطفل،وتكون هناك لجنة من قبل متخصصين من الادباء والمخرجين والتربويين والنصوص الفائزة يتم عرضها من خلال مناقصة «المنتج المنفذ» فنضمن تقديم بعض مسرحيات الطفل الهادفة او التي تكون أقل سوءا لاننا لا يستطيع اي منتج ان يقدم مسرحا سواء للكبار او للصغار.
وأقترح ايضا ان تقوم لجنة اخرى بحضور وتقييم تلك المسرحيات وتقديم جائزة لافضل عمل مسرحي، ولا بأس في حجب تلك الجائزة ان لم يكن هناك عمل مسرحي مميز يستحق تلك الجائزة حتى لو كان النص قد حصل على دعم من قبل لجنة النصوص لان العرض المسرحي الناجح لا يتوقف على النص الجيد فقط فعناصر المسرح كثيرة منها المخرج والتمثيل والديكور والاضاءة والازياء.
ومن اجل تقديم مسرح راق للطفل فان هناك الكثير من القضايا المعاصرة،ولا بد مراعاة الثورة في عالم الاتصالات واستخدامها في احداث المسرحية،ولا بأس باللجوء الى التراث الشعبي او الاحداث التاريخية الحقيقية،وهناك الكثير من القصص في التراث الانساني والاسلامي والعربي كان ابطالها اطفالا او ان لهم دور مميز في الاحداث وهي مادة تصلح ان تكون مادة تنطلق منها حبكة النص المسرحي الذي يقدم للطفل.
ومن أول الابطال في التاريخ الاسلامي لاطفال هو الخليفة الرابع علي بن ابي طالب كرم الله وجهه الذي نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وهو في العاشرة من عمره،وكذلك عبدالله بن الزبير الذي عرف منذ صغره بقول كلمة الحق،وأسامة بن زيد الذي قاد جيش المسلمين وهو في السابعة عشر من عمره،والامثلة كثيرة في كل العصور الاسلامية،وهي مناسبة كي تقدم في عمل مسرحي بحيث ننهل من التاريخ الغني وهو مليء بالقيم التي نريد ان نعمل على ترسيخها لدى الابناء.
علموا اولادنا عبر مسرحيات العيد التعامل الجيد مع الخدم والوافدين الذي يعيشون بيننا انطلاقا من الانسانية ومن خلال تعاليم الدين الاسلامي ومن خلال القيم العربية ومن خلال اظهار معدن الانسان الكويتي الاصيل.
* كاتب وفنان تشكيلي كويتي