من رابين حتى أولمرت

1 يناير 1970 02:59 م
إرثان خلفهما اسحق رابين رحمه الله في مجال الأمن القومي: الأول اتفاقات اوسلو مع الفلسطينيين، والثاني الوديعة مع السوريين. الوديعة لا تزال عنصرا سياسيا حيا يؤثر وسيؤثر على التسوية السياسية الإسرائيلية السورية المحتملة في المستقبل. وبالتالي يجدر بنا أن نعرف الحقائق التاريخية المتعلقة بها.
في 3 أغسطس 1993 عقد لقاء بين رابين ووزير الخارجية الأميركية وورن كريستوفر، قبل يوم من لقاء الوزير الأميركي حافظ الأسد في دمشق. المفاوضات مع سورية، والتي كانت تجري في واشنطن، كانت عالقة. رابين قال في الحديث مع كريستوفر انه إذا كان السوريون مستعدين للتقدم نحو المطالب الإسرائيلية التي تتضمن معاهدة سلام كاملة وحقيقية، دون أي صلة بالموضوع الفلسطيني؛ خطوات سلام وتطبيع سورية قبل استكمال الانسحاب الإسرائيلي؛ ترتيبات أمنية يشارك فيها الأميركيون أيضا؛ انسحاب يستمر لخمسة أعوام؛ خلق قناة حوار مباشرة وسرية بين إسرائيل وسورية، فستكون إسرائيل مستعدة للانسحاب من كل هضبة الجولان، حتى خطوط 4 يونيو 1967. هذه هي الوديعة التي أعطاها رابين في «جيب» كريستوفر (ولهذا فإنها بالإنكليزية تسمى «الجيب»). وشدد رابين أمام كريستوفر بأنه في لقائه مع الأسد محظور عليه حظرا جوهريا أن يقول ان رابين تعهد بالانسحاب. وأن عليه أن يقول فقط انه يفترض، بشكل افتراضي، بأنه إذا ما استجابت سورية لمطالب إسرائيل، فإن إسرائيل ستكون مستعدة للانسحاب إلى خطوط 4 يونيو.
لا أدري لماذا تعهد رابين هكذا أمام كريستوفر. ولكن هناك ثلاث حقائق واضحة: في الغداة دعي رجلان من الاستخبارات إلى رابين لكي يرياه على الخرائط والصور ما هو خط 4 يونيو، وفي ذاك اليوم التقى كريستوفر مع الأسد، وفي خلاف تام مع ما اتفق عليه بينه وبين رابين لم يطرح الانسحاب الإسرائيلي كافتراض منه بل كوعد مباشر من رئيس وزراء إسرائيل. وهكذا تحولت بضربة واحدة وديعة رابين للأميركيين إلى وديعة رابين لسورية. والحقيقة الثالثة: هذا أيضا لم يؤدِ إلى أي اختراق في المفاوضات مع سورية. في أعقاب ذلك أعطى رابين موافقته على اتفاق اوسلو الذي نضج في حينه سرا.
رابين قتل، وشمعون بيرس الذي فوجئ بأن يكتشف أمر الوديعة، أعلن بأنه ملتزم بها، وعلى هذا الأساس واصل المفاوضات مع السوريين. بنيامين نتنياهو الذي جاء بعده، لم يرَ نفسه ملزما على الاطلاق بالوديعة، خلافا لاتفاقات اوسلو التي لم يكن ممكنا الغاؤها، وبعث في صيف 1996 برسالة إلى كريستوفر أساسها: أريد أن ابدأ المحادثات مع السوريين بطاولة نظيفة. وعليه، أعد لي الوديعة التي أعطاك إياها رابين. فرد كريستوفر خطيا يقول لنتنياهو ما معناه: يمكنني أن اؤكد لك بذلك أن وديعة رابين غير ملزمة ولم تعد سارية المفعول.
على مدى عامين منذ ذلك الحين لم يعقد نتنياهو مفاوضات مع السوريين، لأنهم واصلوا الادعاء بأن لديهم وديعة. وفقط في صيف 1998 وافق السوريون على عقد اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل دون الوديعة. ايهود باراك، الذي انتخب في العام 1999 تجاهل إلغاء نتنياهو للوديعة، وبدأ المحادثات مع السوريين على أساسها. شارون لم يرغب أبدا في أن يسمع شيئا عن السوريين وعن نشيدهم بشأن الوديعة.
أما اولمرت فقبل عمليا مبدأ الوديعة غير أن هذه المرة بات السوريون يطالبون، على حد تعبير بشار الأسد بخطوة أخرى: أن يرفع لهم التعهد الإسرائيلي بالانسحاب إلى خطوط 4 يونيو خطيا.
هذا هو الإرث وتطوراته. وملاحظة ختامية واحدة: اولمرت، وكذا بعض من رجال وسائل الإعلام، يحاولون إعادة كتابة التاريخ بدعوى أن: «كل رؤساء الوزراء تعهدوا بانسحاب من كل الجولان الى خطوط 4 يونيو». لعل هذا صحيح فقط بالنسبة لرؤساء وزراء حزب «العمل»؛ ولكنه غير صحيح على الاطلاق بالنسبة لرؤساء الوزراء من «الليكود».
عاموس جلبوع
«معاريف»