هل بات القضاء على «داعش» في سلّم أولويات دمشق وحلفائها؟

العمليات العسكرية في العراق وسورية... أصبحتْ متناغمة

1 يناير 1970 07:08 ص
مناطق «تخفيف التوتر» أتاحت لـ 40 ألفاً من الجيش السوري وحلفائه الاندفاع لاستعادة أكبر مساحة جغرافية ممكنة
في ظل صمودِ وقف الأعمال العدائية في غالبية المناطق السورية الذي تَوافق عليها اللاعبون الأساسيون (من دون الولايات المتحدة) وفرْض هؤلاء (تركيا، روسيا، إيران) مناطق «تخفيف التوتر» التي تسيطر عليها «القاعدة» في سورية (هيئة تحرير الشام) والمجموعات المسلحة، اندفع أكثر من أربعين ألف جندي ومُقاتِل من الجيش السوري ووحدات النخبة في الجيش الروسي وكذلك من «حزب الله» ومن العراق وحلفائهم على محاور عدة في كل الأراضي الشرقية والجنوبية والوسطية والشمالية ضدّ تنظيم «داعش» في محاولةٍ لاستعادة أكبر مساحة جغرافية ممكنة.

وتهدف هذه العملية الكبيرة إلى قفْل الطريق على تمنياتِ ومخطط واشنطن الرامي إلى اقتطاع جزء كبير من سورية وإغلاق الحدود العراقية - السورية لمنْع تواصل القوات القادمة من العراق مع تلك التابعة لدمشق على هذه الحدود، وهو المخطط الذي كان استدعى عملية إنزال قامت بها واشنطن لقوات تابعة لوحداتها الخاصة على تلك الحدود، وكذلك فعلت بريطانيا بإرسال وحدات خاصة إليها. ناهيك عن الغارة التي شنّها سلاح الجو الأميركي على قوات حليفة لدمشق كانت تتقدم نحو معبر التنف وقيامه بضرب مقدمة هذه القوات وذلك لوقف اتجاهها إلى المعبر الذي اتخذته أميركا قاعدةً لها يفترض أن تكون موقتة وغير ثابتة.

والسبب الاميركي لضرب القافلة هو استحالة صمود قواتها الخاصة وتلك السورية التي تدعمها أمام جحافل تَقدُّم القوات الموالية لدمشق والتي صمّمت على إبقاء الخط التجاري بين العراق وسورية مفتوحاً. ولن تستطيع الولايات المتحدة الصمود على معبر التنف لأن القوات العراقية لن تسمح لأي قوةٍ بالسيطرة على المعابر الحدودية، وها هي تتقدّم إلى الحدود السورية من داخل العراق، إلى مَحاور حدودية ستصلها في الساعات المقبلة لتقف موقتاً على الحدود وتضرب مخطط واشنطن بمنْع التلاحم السوري - العراقي، خصوصاً بعد تقدم القوات العراقية من «الحشد الشعبي» على خط البعاج ونحو سورية.

وهكذا لم يصمد مخطط أميركا طويلاً خصوصاً أن حلفاءها السوريين - إذا ما أرادت إعطاءهم دور القابض على الحدود بين سورية والعراق - يتميزون بنزعة طائفية لا تتناسب مع الخط التجاري بين البلدين ولاسيما للتعددية الطائفية الموجودة في بلاد ما بين النهرين (وكذلك في بلاد الشام). وبالتالي فإن أي قوات سورية طائفية تابعة للولايات المتحدة لا تستطيع الصمود طويلاً على الحدود، لأن حضورها سيتسبب من دون شك بمواجهة عسكرية بين هؤلاء وبين القوات العراقية عاجلاً أم آجلاً.

ويناور الجيش السوري وحلفاؤه بنحو أربعين ألفاً من القوات النظامية والقوات الرديفة، فيما تعمل الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن من البادية السورية من السويداء الى معبر التنف بنحو خمسة آلاف مسلح، ما يجبر واشنطن وعمّان على تقديم الدعم الجوي للدفاع عنهم وفتح الطريق أمامهم وحمايتهم من «داعش» في البادية ومن الجيش السوري وحلفائه، الأمر الذي ينذر بقصر عمر هذه القوات في تلك البقعة الشاسعة من الصحراء السورية.

وتؤكد موسكو لحلفائها أنها ستقدّم كل الدعم اللازم للحفاظ على الأراضي (نحو 12500 كيلومتر مربع) التي استعادتها هذه القوات لغاية اليوم منذ عشرة أيام من العمليات المتواصلة في جغرافيا كانت «داعش» تسيطر عليها وتمثّل مساحة أكبر من مساحة لبنان بأكمله. وفي هذه البادية توجد آبار نفط ومناجم فوسفات وغيرها من المواد الخام بدأت موسكو باستغلالها لاستخراج النفط واستخدامه في بلاد الشام للمآرب العسكرية.

وقد اتفقتْ كلٌّ من روسيا وسورية وإيران والعراق على تَلاحُم قواتهم والتنسيق في ما بينهم لضمان عدم عودة «داعش» مرة أخرى الى العراق والقضاء عليه في سورية وإفشال أي مخطط يمنع إبقاء الحدود بين بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين مغلقة. وهكذا يتم سحق «داعش» في أكثر من محور ليصبح قتاله والقضاء عليه الأولوية القصوى، ليس لعظَمة قوّته إذ ان أميركا تعلم جيداً مدى ضعف التنظيم وتحاول قضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي السورية لتضعها بيد أعداء دمشق وتفرض تقسيم البلاد أو المبادلة السياسية مقابل الجغرافيا. إلا أن حلفاء دمشق مصمّمون على التعامل مع أميركا وقواتها الموجودة في العراق وسورية عندما تنتهي الحرب مع «داعش» ويصبح خطر الحرب والتهديد لاستقرار سورية أبعد مما هو عليه اليوم.

من المؤكد أن القوات الأميركية لن تعرف الاستقرار في سورية:

• فتركيا لن تقبل بتعاظُم قوة الأكراد في سورية وهي مستعدّة لأي عمل عسكري تخريبي ضد أميركا في بلاد الشام مقابل استقرار أنقرة ومصلحة أمْنها القومي.

• وإيران تعاملتْ مع الاحتلال الاميركي للعراق وتنتظر الفرصة المواتية للفعل نفسه في سورية، خصوصاً أنها قد أنشأت قاعدة شعبية سورية مقاوِمة على غرار «حزب الله اللبناني».

• أما موسكو فهي تتمنى ردّ الصاع صاعين للولايات المتحدة لاسيما وان طعم الهزيمة في أفغانستان لا يزال حاضراً في فم الكرملين.

وتبقى المعارضة السورية وتنظيم «القاعدة» (هيئة تحرير الشام) بانتظار حلٍّ سياسي من الممكن أن يقضي بوقف الأعمال العدائية لسنوات طويلة الى حين نضوج حلٍّ للتعامل مع الأزمة السورية او لثورة داخلية ضد «القاعدة» وقواعدها بالحكم التي من المؤكد انها لن تتناسب مع حياة السوريين حين تنتهي الحرب.