مثقفون بلا حدود / المرأة الصوفية... في كتابات محمد رؤوف القاسمي الحسني (1)

1 يناير 1970 08:54 ص
قدّم باحث علم الاجتماع الجزائري البرفيسور محمد رؤوف القاسمي الحسني، بحثا بعنوان «المرأة الصوفية: الضغوطات والرهانات: نموذج مشيخة لالة زينب 1850 – 1904زاوية الهامل- بوسعادة - الجزائر».

لعل الجانب اللافت للنظر في بحث الحسني،هو اختياره لامرأة قالت عنها إيزابيل أبرهادت: «ربما هذه المرأة التي تلعب دوراً إسلامياً عظيماً هي الفريدة في المغرب الإسلامي»، على أن الدكتور القاسمي الحسني، لم يغفل الأخريات ممن كان لهن شأن في هذا المجال، فقد قال: «أشارت مصادر قليلة في دراسة المرأة الصوفية وإثبات مكانتها وتعميق الروابط بين الدين والمجتمع، يظهر ذلك في حالات خاصة تتنافس فيها المرأة مع الرجل في قرارات تمس الحياة الدينية والتي كانت حصريا للرجال. سبق وأن تقلّدت النساء في المغرب العربي مناصب علمية ودينية مثل « لالة عائشة المنوبية في تونس ولالة سيتي في تلمسان، ولالة ميمونة في فاس والعالية التي كانت تدرس المنطق في الأندلس ولالة مغنية التي أصبح اسمها لمدينة في غرب الجزائر واسما لمعاهدة الحدود بين الجزائر والمغرب في نهاية القرن 19 م، وفي تونس لوحدها تشمل عدداً تقريبياً للزوايا التي تحمل أسماء نسائية وهي خمس وسبعون زاوية مشهورات، مثل السيدة المنوبية هي امرأة من قرية منوبة الواقعة على بعد ستة كيلو مترات غرب العاصمة وكانت من أهم أتباع الطريقة الشاذلية «أ.هـ

إذن قيادة المرأة لجوانب الحياة لا تقل أهمية عن قيادة الرجل لها، لقد أثبت الحسني، أن المرأة تتمتع بذكاء خارق وذلك بكيفية التعامل مع المستعمر، فإذا كان «غاندي» قد حارب المستعمر البريطاني بالعصيان المدني الذي ينضوي على أخلاق عالية ورفيعة؛ فها هي لالة زينب تحارب المستعمر بدبلوماسية لا نظير لها يقول الحسني، في هذا الجانب: «أدركت لالة زينب بماضي الأمجاد وتسلحت بحنكتها وديبلوماسيتها الفائقة واختارت طريق الجهاد السلمي وتملصت من كل ما حيك حولها حتى وصل أن لقبت بثالثة الفواطم المغرب العربي تشبها بفاطمة بنت جامع القرويين وفاطمة بنت جامع الزيتونة، وحذت حذو أختيها في الله كلتيهما لم يكن لها أخ من أب فاختارت الآخرة خير وأبقى»أ.هـ

ويرسخ الحسني، قدم المرأة في علوم الشريعة، ويثبت بأنها لا تقل جدارة عن الرجل في فهم هذه الأمور، وكأنه يلمح بالمرأة الفقيهة، والمرأة القاضي، فإن كان هذا ما يدور في خلد الباحث والمفكر الدكتور محمد رؤوف القاسمي الحسني؛ فأنا أول المؤيدين له؛ لأنني أرى أن المرأة لا تقل ذكاء عن الرجل، وما ذكره عن لالة زينب، يثبت ما ذهبتُ إليه حيث يقول: «إن لالة زينب، بعد وعيها كتاب الله وتفقهها في أمر الدين وإطلاعها على تفاسير القرآن العظيم من خزانة أبيها التي تربو على أكثر من أربعة آلاف كتاب تحت مراجعة والدها والاستفادة منه وقد سبق له أن فسّر لها بعض السور وآيات القرآن العظيم. هذا، وبعد أن حفظت الأحاديث الشريفة وسمعت من والدها شروح الصحيحين وكتاب الشفا للقاضي عياض- هو: الشفا بتعريف حقوق المصطفى- ومن الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ودراستها التوحيد والفقه، فكان لها رصيد معرفي في قضايا علوم الشريعة وإطلاعها على كتب الصوفية كحِكَمِ ابن عطا الله، و»الرسالة القشيرية» و»إحياء علوم الدين» إضافة إلى أفكار ونظريات الإمام الغزالي والإمام ابن رشد وتصحيحاته على الغزالي»أ.هـ.

وينتقل بنا الحسني إلى جانب آخر لدراسة المرأة وقدرتها ودرايتها بالجوانب الاقتصادية، وفنية إدارتها المالية حيث قال: «بينت التقارير الإدارية في مجملها أنها امرأة- يعني لالة زينب- ذات ذكاء خارق ومعارف دينية واسعة، وعلمها وصفاءها جذب الكثير من طلاب العلم والزوار. كلّفها والدها بحفظ سجلات أملاك الزاوية، فكانت تعرفها مُلكاً مُلكاً، خباياها وأسرارها. وكانت أملاك الزاوية وقفية تسير بطريقة مركزية وكان الشيخ حريصاً في إعلام ابنته لكل العمليات المالية» أ.هـ.

ويدعم الحسني، ما يراه تجاه قدرة المرأة على التعامل مع الآخر حينما ذكر رسالة والد لالة زينب إلى ابنته جاء فيها: «إذا ضاق خاطرك ، فالمقدم يفرش لك سجاداً فوق الحجرة الشرقية في الباب المعروف «بحوش الكرمة»، الذي كان يعقد فيه الشيخ مجالس الوعظ والإرشاد لزواره وفيه يتناول الطلبة طعام غداء وعشاء « ويعلق الحسني على هذه الرسالة قائلا: «وكان هذا إذن لها بالخروج من دارها» أ.هـ .

وبعض ما نقله برسالة أخرى جاء فيها: « وأنت يا ابنتي السيدة زينب فكوني بنية طيبة من أمور الدار والعيال لأني جاعلك بدلا من نفسي أسأل الله تعالى أن يجعل البركة فيك. وأن تكوني من النساء الصالحات اللاتي قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم « امرأة صالحة خير من ألف رجل غير صالح « أ.هـ ومن الجانب الاقتصادي إلى الجانب الاجتماعي الإنساني فلا زيادة لمستزيد على ما طرّزه الباحث السوسيولوجي الجزائري الدكتور محمد رؤوف القاسمي الحسني، بحروف من ذهب حينما قال: «فسلكتْ طريق حماية الفقراء والمساكين، قدوة بأبيها في أداء الرسالة التعليمية والتربوية، مسخّرة جهدها لتعليم القرآن ونشر هدايته و ترسيخ مبادئ الإسلام وإحياء قيمه، وإصلاح المجتمع بالدين القيم والتوجيه الراشد، عملتْ جاهدة لتوثيق أواصر الأخوة بين أفراد المجتمع وصيانته من الأفكار الهدامة والدعوات المشبوهة النزاعات المغرضة والتيارات المتشددة» أ.هـ

وتيمنا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «ردوا عليّ ردائي فوالذي نفس محمد بيده لو كان عدد هذه العضاة نعماً لقسمته بينكم، ولا تجدوني كذوباً ولا جباناً ولا بخيلا»، وكان عليه أفضل الصلاة والسلام إذا دخل شهر رمضان المبارك أطلق كل أسير وأعطى كل سائل. وهو القائل عليه صلوات الله وسلامه: «ما نقص مال من صدقة»، وتحت مقولة الصدقة تطفئ غضب الرب، وتصارع القضاء والقدر، وعملا بقوله تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تزكيهم»، نجد شريف زاوية الهامل والطريقة الرحمانية الدكتور محمد رؤوف القاسمي الحسني؛ ينقل لنا هذه العبارة عن لالة زينب حيث يقول» تكفلت بالأسر الفقيرة، واليتامى، والمعوزّين والفقراء، وطلبة العلم مجاناً إيواءً وإطعاماً وتعليماً... تولت لالة زينب مباشرة بعد وفاة أبيها قيادة الزاوية عام 1897 عملا بوصيته، فأصبحت فيها الزعيم الروحي بلا منازع « أ.هـ.

* كاتب وباحث لغوي كويتي

[email protected]