تقرير / معركة عرسال بعد شهر رمضان

هل طلبتْ موسكو من «حزب الله» ... مغادرة سورية؟

1 يناير 1970 07:28 ص
كثر الكلام الإعلامي عن طلب روسيا من «حزب الله» اللبناني مغادرة الأراضي السورية، ولا سيما بعد إعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان «الحدود اللبنانية من الجنوب الى البقاع الى الشمال (باستثناء جرود عرسال) أصبحتْ خارجة عن دائرة التهديد العسكري»، طالباً من الجيش اللبناني ملء الفراغ بسبب انسحاب عناصر حزبه من الحدود اللبنانية، من الجهة اللبنانية وليس الجهة السورية، ما دفع بعض وسائل الاعلام والمحللين لاستنتاج ان «موسكو لم تعد تريد لحزب الله ان يبقى في بلاد الشام». ولكن، هل هذه النظرية التحليلية قريبة من الواقع؟

تقع المنطقة الحدودية بين لبنان وسورية التي سيطر عليها «حزب الله» والجيش السوري تحت عيون اسرائيل لانها تمثّل العمق الجغرافي الجديد لـ «حزب الله» وتواجد قواته النخبوية وصوامع صواريخه الاستراتيجية التي حفَر لها في داخل الجبال وحصّن لها في الكهوف التي تملأ المنطقة الحدودية على طول 130 كيلومتراً. وكانت هذه المنطقة تشكل عبئاً عسكرياً قتالياً وتكلفة هائلة على «حزب الله» لاضطراره لشقّ الطرق وتحصين المواقع وايجاد مخابئ لصواريخه الاستراتيجية (M-600 وصواريخ الفاتح المتطورة والدقيقة الاصابة) داخل الجبال. وعمل «حزب الله» صيفاً وشتاءً حتى على قمم يصل ارتفاعها الى 2500 متر ما شكل ثقلاً لا يستهان به على موازنته الشهرية المرتفعة أصلاً.

وكان ينتشر في تلك البقعة اكثر من 500 مقاتل من «القاعدة» وتنظيم «داعش» وآخرين معهم، ما دفع بـ «حزب الله» الى نشر أعداد كبيرة (نحو خمسة آلاف مقاتل لتلك الجهة فقط) وطائرات من دون طيار ونصب الكمائن والمتفجرات الموجهة (IEDs) للسيطرة على المنطقة الجغرافية الصعبة.

واستطاع بعد سنوات من الحرب والكرّ والفرّ ان يسيطر على جزء كبير من المنطقة ليصبح إبقاء المسلحين على مواقعهم من دون اي جدوى عسكرية، ما شكل لهم هدراً للطاقة البشرية وخصوصاً ان إحداث اي تغيير في المنطقة لم يعد ممكناً.

وبعدما دخلت اكثر المناطق السورية المحيطة بالمنطقة الحدودية وبالاخص القلمون والزبداني - ضمن مشروع التسوية مع القيادة السورية في دمشق، وبعدما وقّع بعض الاطراف المتنازعة تحت رعاية روسيا وبموافقة سورية على «وقف العمليات والتصعيد القتالي»، جاء الطلب من موسكو للحزب اللبناني بالاندفاع نحو البادية السورية، فدفع الحزب بقواته الخاصة - «الرضوان» - الى عمق البادية بعدما أنجز عمله في سلسلة الجبال الشرقية (بين لبنان وسورية).

وكان عمل «حزب الله» على السلسلة الشرقية شاقاً ومضنياً، وقد صُرفت ميزانيات ضخمة لعمل قواته في تلك المنطقة وعلى طول الحدود، أما اليوم وقد انتهى الخطر على تواجده، فقد توجهت غالبية قواته الى مناطق أخرى في الداخل السوري ولا سيما شرقاً ما أراح ميزانيته العسكرية في شكل ملحوظ جداً.

وتحارب اليوم قوات «الرضوان» من «حزب الله» الى جانب المئات من الوحدات الخاصة الروسية والجيش السوري لاستعادة المناطق النفطية (التي تستغلّها روسيا في سورية) ولوقف المشروع الأميركي - البريطاني - الاردني بالاندفاع من محافظتيْ السويداء ودرعا باتجاه الشرق نحو الحدود العراقية، ولدعم الهجوم المندفع نحو دير الزور من تدمر الى السخنة. ومن الواضح ان اميركا - التي تدعم تقدم «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) تحت القيادة الكردية في الشمال الشرقي السوري - غير جاهزة لغاية اليوم للإتجاه نحو دير الزور، وخصوصاً ان «داعش» ليس ضعيفاً في المنطقة ولا سيما في البادية السورية.

ومن الواضح ان روسيا ودمشق وحلفاءهما هم في سباق مع القوات الاميركية - الكردية لمنْع وصولهم الى دير الزور وكذلك الى البادية السورية عموماً، وخصوصاً بعد التهديد الواضح الذي أرسلتْه دمشق الى عَمان بأنها ستعتبر القوات الأردنية معادية وهي - اي دمشق - لا تمانع إعلان الحرب على جارتها اذا تقدّمتْ الى داخل الأراضي السورية. وهذا ما أوقف التقدم الاميركي - البريطاني - الأردني وحال دون أخْذ هذه القوات المثلّث الأردني - السوري - العراقي. والى معركة السخنة - دير الزور، توجّهتْ قوات «الرضوان» بطلب سوري - روسي لإستعادة المنطقة من «داعش» ووقف المشروع الاميركي في المنطقة الشرقية السورية. أما بالنسبة لروسيا، فقوّاتها وجنرالاتها يراقبون عن كثب المعارك السورية وخصوصاً تلك التي يخوضها «حزب الله».

ويستخلص الضباط الروس العِبر من أداء القوات الخاصة - «الرضوان» - ونوعية الأسلحة التي تستخدمها والتكتيكات المتبعة ولا سيما بعد تراكم خبرات «حزب الله» في الحرب الطويلة مع اسرائيل وحروبه المتعددة الأذرع في سورية ضد قواتٍ تتبع أساليب مختلفة، متطورة ومنها عقائدية.

ولم تخُض ابداً روسيا معركة مماثلة في تاريخها ولهذا فإن ثمة وجوداً كثيفاً لخبرائها على كافة المحاور، ليس فقط لطلب الدعم الجوي والمشاركة في القتال، بل ايضاً لمواكبة «حزب الله» في قتاله ومراقبة خوضه لمعارك متعددة شارك فيها.

واستطاع «حزب الله» تغيير المعادلة في سورية بالاشتراك مع القوات الجوية الروسية والسورية وأنجز معارك أساسية متعددة أهمها معارك حلب وحمص وحماة والحدود السورية - اللبنانية (القلمون والزبداني) والقصير ومحاور اللاذقية المتعددة. كما أنجز حول دمشق معارك القابون وبرزة ووادي بردى ومضايا. ويشارك اليوم داخل دير الزور وفي محاور تدمر ودرعا والبادية السورية.

وبسبب شبه انتهاء العمليات العسكرية لقواته على الحدود السورية - اللبنانية، فقد استطاع «حزب الله» توجيه أكثر من 20 الفاً من قواته نحو جبهات أخرى داخلية، وكذلك سمحت الجبهات حول دمشق والزبداني بسحب أكثر من عشرة آلاف جندي سوري ليتوجّه هؤلاء الى مناطق أكثر سخونة.

وتؤكد المصادر القيادية في سورية ان قوات «حزب الله» تزداد قوة وعدداً ليصبح تواجد قواته أكثر من اي وقت مضى. فهناك تجديدٌ دائم للقوات، والتجهيزاتُ اللوجستية المستمرة تحتاج الى «جيش» لمواكبة القوات المشتركة على كافة الأراضي السورية.

وعلمت «الراي» ان هناك تحضيرات عسكرية مهمة تتهيأ لما بعد شهر رمضان لإنجاز ملف وجود قوات القاعدة (جبهة تحرير الشام) في جرود عرسال بما سيخيّر هؤلاء بين المغادرة الى ادلب الشمالية او القتال لإنهاء ملف الحدود السورية - اللبنانية، وخصوصاً ان المنطقة تقع خارج مناطق عدم الاشتباك واتفاقية التهدئة التي فرضتْها مفاوضات استانة - كازخستان.

وإذا انسحبت قوات «حزب الله» من الحدود اللبنانية فهي لن تنسحب من الجهة السورية وعلى طول الحدود السورية حيث استحدثت مواقع ثابتة لها ومناطق «مناورات عسكرية» ومواقع عسكرية خاصة بالصراع مع اسرائيل، ولا سيما ان سورية أصبحت معنية مباشرة بهذا الصراع. وتشكل المناطق السورية مخابئ مهمّة جداً لصواريخ «حزب الله» الاستراتيجية، كما أدخل الحزب مفهوم «المقاومة السورية» في العقيدة التي أصبحت واقعاً ستجد اسرائيل صعوبة بتجاهله في المستقبل القريب وحين تنتهي الحرب في سورية.

اما بالنسبة لـ «الهلال الشيعي» الممتدّ من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت فهو لا يتعلّق بخط جغرافي معيّن يمرّ عبر هذه المدينة او تلك كما يتوهّم البعض بل هو مشروع اكتمل يوم هاجمتْ «داعش» الموصل العام 2014 وأعلنت عن مشروع خلافتها الفاشل الذي فتح الطريق لتقوية وتعزيز هذا المحور وليس لإضعافه، ما يدلّ على ان الصراع الشرق اوسطي لا ينتهي إلا بالتوافق ضمن دول الشرق الأوسط أنفسهم.