د. مبارك الذروه / طبيعة الحراك السياسي الكويتي
1 يناير 1970
06:49 ص
عاد نواب الأمة إلى قاعة عبدالله السالم ليكملوا مشوار التدافع وتقديم الولاءات لأصحاب النعم وليتموا الصراع الفكر سياسي الملون في مشهد آخر من مشاهد الرسوم المتحركة.
قد نتعجب أو نستنكر هذا التدافع الفكري والصراع «العشائري» غير المنظم بين نواب العمل السياسي في البرلمان، وكأننا في حملة استعمارية تحاول اجتثاث بعضنا البعض. وقد ننزعج أحياناً من تردي مستوى الخطاب، أو الهبوط الثقافي، وتدني السقف المعرفي لدى نواب الكتل السياسية من خلال لخبطة الأولويات و«الملاسنات» البالونية، غير أن تفحص المشهد السياسي من زاوية أخرى يمنحنا نظرة أكثر شمولاً وتفاؤلاً.
إن الحديث عن يتم التعددية السياسية الحقة، والديموقراطية الفاعلة، وتداول السلطة المنتظر، وتحالف القوى السياسية الواضح، ثم انقسام الكتل إلى مع أو ضد، إضافة إلى تجاوز الحدود المعقولة في استخدام أدوات الرقابة المختلفة وشخصنتها بطريقة واضحة، وضبابية آليات التعامل مع السلطة والآخر وغير ذلك... يؤكد اتجاه الركب السياسي نحو مزيد من المكتسبات والحريات التي تحتاج إلى مزيد من الرشد، والتي ستسقيها سنن التدافع ثم التعارف بالحفظ والرعاية.
ولأن عمر التجربة الديموقراطية الكويتية ليست كالعمر الزمني للبشر، فهي مرحلة تحولات كبرى في زمن الدول والشعوب ولا تظهر نتائجها خلال عقود. فإن زمن التراشق الفكري واللوم المسلح بأسلحة القاموس الهجائي المقذع جزء من مكونات الحراك السياسي الذي تعيشه كتل الطفولة السياسية المتأخرة.
وربما بعد زمن النشوة والعودة إلى النضج، وشيء من تكامل النظرة، وسداد الرؤية، تتعايش تلك الكتل، وتصبح أدبياتها الجوفاء جزءاً من الماضي الذي قد تلعنه وتحاول عبثاً أن تزيله من ذاكرة التاريخ السياسي الكويتي.
والحقيقة أن من يصاب ابنه بأذى في بطنه أو رأسه لا يهمه جنس أو جنسية الطبيب المعالج، إنما المهم شفاء الابن المريض ومعافاة الأب المكلوم. ولذلك لا بد أن تكتمل مسيرة الحراك مهما كان الثمن. فهناك من يسعى إلى وأد المسيرة الديموقراطية لمصلحته، وهناك من يحاول جاهداً أن يحافظ على مكتسبات الشعب وحقوقه والسؤال الأهم: لمصلحة من يستمر الصراع، ولماذا يستمر، وهل هناك بدائل أفضل من لغة الإلغاء والإقصاء؟
تشير معظم الأبحاث السيكولوجية إلى أن الأشخاص الذين تعودوا على إلغاء الآخر، أو التشهير والتسفيه به هم في الحقيقة يعانون من الانطواء والعزلة والانسحاب الاجتماعي، وهذا بالتأكيد يؤدي إلى أزمات نفسية حادة تتراوح بين تصلب الشرايين، وارتفاع معدلات السكر أو هبوطها، إلى سرعة دقات القلب وتصبب العرق باستمرار، وبالطبع فلا بد من تنفيس هذه الأعراض النفسية من خلال التهييج والتهريج السياسي والإعلامي.
إن المجتمعات تتغير وتتبدل وتتقدم وقد تقف... ووقوفها تأخر عن الركب السائر. لنتقبل ونتفهم ألوان الصراع السياسي الدائر في الأروقة المغلقة والمفتوحة، وليكن ضمن مسيرة حراكنا السياسي، فقط نضع له الحدود العامة. ونتركه يتحرك بحرية مع مراقبته لنقده وتقويمه.
لندع النواب يستخدموا صلاحياتهم التي كفلها الدستور، ولتكتمل مرحلة الطفولة وننتقل مع المجتمع سوياً إلى ما بعدها حتى نصل إلى مرحلة البلوغ السياسي، فالرشد في الخطاب والتعامل الفعال مع المكتسبات الشعبية عموماً، ولندع بعض المهرجين ينتشي طرباً من سكرة وهم النصر السياسي لأنهم بذلك يساهمون في بناء ميكانيزمات التعلم والنضج السياسي الذي يحتاجه الوطن لاستكمال فترة النمو الأخيرة من مراحل نمو الطفولة، كما أنهم من دون قصد يسجلون لنا تجارباً توضح لأجيال المستقبل كيف كانت الرسوم المتحركة تتفاعل في حقل السياسة الكويتية.
لا تحزن أيها الوطن على تأخر برامج النهضة ومشاريعها التنموية فإن قدرك أن تكون كالأرض الذلول يطؤها الصغير والكبير؛ والغيث أصبح ملوحاً ببروقه، ونحن نتخيل بشائره، ولكل أجل كتاب.
د. مبارك الذروه
كاتب وأكاديمي كويتي