نادين البدير / آمنة تؤم المسلمين للمرة الثانية

1 يناير 1970 11:17 ص
نادين البدير
آمنة ودود تسنّ سنّة مذمومة بالإمامة وإلقاء خطبة الجمعة... هكذا جاءت افتتاحية إحدى المقالات.
جن جنون مشاهير الأئمة...
وصفها آل الشيخ أنها عدو الإسلام...
نصحها القرضاوي أن تراجع نفسها وتطفئ نار فتنة لا ضرورة لإثارتها...
اعتبروا ما فعلته بدعة منكرة. وأصدر مجلس الحقوقيين الإسلاميين بأميركا بيانه (إن ما يحدث هرطقة) .
كانت المرة الأولى عام 2005، رفضت المساجد حينها استقبال آمنة ودود فاستضافتها كنيسة انجيليكانية في نيويورك، وتمت الصلاة...
تزامن تمرد ودود وأتباعها وتابعاتها في ذلك العام مع حركة تمرد وخروج على الكنيسة الكاثوليكية التي تمنع النساء من سلك الكهنوت. في الزورق بنهر السين، تمت سيامة الفرنسية جنفياف بني كأول امرأة كاهنة بفرنسا على يد ثلاث نساء برتبة (أسقف)...
قالت وقتها الأسقفيات ان عملهن استجابة لدعوة الله وعمل احتجاجي في آن معاً...
وتقول ودود، أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة فرجينيا، انها تأخذ على عاتقها قضية الهوية الروحية الكاملة والخلافة للمرأة المسلمة بشكل كامل...
نعاصر حركة تمرد واحتجاج نسوي من داخل الأديان، المحتجات لسن داعيات للتحرر من خارج نسق الفكر العقائدي، بل نساء خرجن من داخل الوسط الديني... بتعاليم الإسلام والمسيحية، لديهن حجج وبراهين سماوية بوجوب المساواة الروحية الكاملة مع الرجل... واضح أن نساء الدين قد جمعن على مدى سنوات أو قرون قوة ليست هينة تضاهي قوة رجال الدين أو تفوقها، فالتجرؤ على التقاليد الإسلامية أو الأرثوذوكسية تمرد خطير لا يجازف أقوى رجال الدين سلطة ومكانة على تنفيذه...
عموماً فإن غالبية تلك التقاليد قد رسمت لخدمة واضعيها، لذا قلما نجد من يفكر بتغييرها من الرجال.
المرة الثانية للتمرد عام 2008 قبل أسابيع عدة، نفذت المهمة في أحد المراكز الإسلامية بمدينة أكسفورد البريطانية... وقفت خلفها بعض كاشفات الرأس... وقفت النساء والرجال لأداء الصلاة في جو من الاختلاط كذلك المسموح به في الحرم والممنوع في بقية المساجد...
وللمرة الثانية تتزامن إمامة المرأة المسلمة مع إصلاح مسيحي جديد. إقرار الكنيسة الانغليكية اعتماد المرأة أسقفا يوليو الماضي...
في أكسفورد...
رفعت سهيلة العطار الآذان... مَنْ أجمل من النساء صوتا لرفع الأذان الذي أصبح أسير نزعات قيدت ألحانه؟؟
رفعت الأذان امرأة، وأمت آمنة بالمصلين وخطبت عن العدالة.
كم إماما في شرقنا الأوسط يتجرأ ليلقي عن العدالة خطبة؟
حينها. خرجت مظاهرة نسائية في جنوب اكسفورد تستشيط غضبا لأن ما يحدث (برأيها) ضد الإسلام، أكدت المتظاهرات للإذاعات أن من حق المرأة أن تكون قائدة لكن في الشريعة لا يمكنها أن تؤم...
يطالبن بتوزير النساء، الجميع يحلمن بمنصب الوزيرة. وكأن قيادة وزارة النفط أسهل من قيادة مسجد، أهون من صلاة الفجر أو العصر أو إلقاء خطبة أو نشر توعية... كيف تفسر النساء تلك المفارقة؟ مهمة القيادة أعقد من الإمامة... لكن يبدو أن الإمامة تتطلب تكوينا بيولوجيا أكثر مما تتطلب علما وعمقا لاهوتيا...
قال القرضاوي: «لم يعرف التاريخ الإسلامي طوال أربعة عشر قرناً امرأة خطبت الجمعة وأمت بالرجال».
ها قد عرفها التاريخ اليوم عند القرن رقم 15...
إذا كانت آمنة ودود أول إمامة، فليعتبر القرضاوي نفسه محظوظاً إذاً لأنه يشهد العصر الذي أمت به المرأة وخطبت بالرجال...
يرفض أئمة الدول العربية البارزين إمامة المرأة... ومن غير الواضح ما إذا كانوا يرفضون سماع صوتها العورة أو يخافون المنافسة وتهديدات مستقبلية بالتنحي عن المناصب كنتيجة تبعية للتنحي عن المنابر، بالطبع آخر ما ينقصهم اليوم هو تغيير المنظومة الدينية الرسمية المتبعة...
عندها ستدلو المرأة بدلوها في شؤون الدولة والحكم، ستشارك بتحريك فكر المسلمين عبر ترتيل دعاء سياسي يكتبه النظام قبل الإمام ويحتكره الرجل منذ بدايات الإسلام.
ليس سهلاً تقبل فكرة أن تقف أمامهم امرأة، وهم المشهورون بجرها خلفهم ضمن مساحة من الخطوات عددها محسوب بدقة، وهم المشهورون بعبارة (امشي يا مرة)...
ليس سهلاً أن يلغي تفكيره بالشهوة... هذه هي الحجة... إذا وقف خلفها وهي تنحني وتسجد سيثبت شطحات خياله، شهوانيته. عجزه عن الخشوع..
حجة المعارضين مخزية، فالإمامة الأنثى غاوية...
كيف دخلت الصلاة إلى منظومة الحديث عن الجنس والجسد والإثارة.
ولماذا تصلي النساء إن كان في صلاتهن إغواء؟
ركعت سجدت وقفت وانحنت... البعض وقف مشدوهاً بحداثة التجربة وقوتها وجرأتها، والبعض الآخر لم يفهم منها سوى طقس ديني ذي حركات قمة في الإغواء...
ماذا يعني أن تحصل دائرة العلاقات العامة في وزارة التربية الإيرانية على فتوى جواز أن تؤم المرأة في الصلاة (أوضحت الوزارة وقتها أن الهدف هو الترويج لصلاة الجماعة بين طالبات الجامعة)؟
وماذا يعني أن ترتل النساء القرآن في التلفاز بماليزيا...
وأن يسمح للمرأة إمامة المصلين في جنوب أفريقيا...
الفارق بين موقف شيوخ الإسلام في العالم العربي تجاه حياة المرأة الروحية وبين موقف كثير من أقرانهم في العالم الإسلامي وبقية العالم فارق قد يكون مخيفاً... حين تختلط التقاليد والأنانية بالدين عند رجل دين تثق به الشعوب...
المهم أن تجربة إمامة المرأة انتهت بنجاح وانتصار، انتهت دون خدوش...
كاتبه واعلاميه سعودية
[email protected]