رأي قلمي

العقل القلق...!

1 يناير 1970 01:36 ص
كثير منا ينزعج ويشعر بعدم الاستقرار ويصاحبه شيء من الخوف، ويحس بالضيق والحرج، ويكون مضطرب البال، إن واجهته مشكلة أسرية أو اجتماعية أو صحية أو... أو... أو تثاقلت عليه الهموم، أو اعترضه عارض من عوارض الحياة، وهذا ما نسميه بالقلق وهو إما أن يكون قلقا عقليا أو قلقا نفسيا.

إن قلق العقل هو ذلك التشجع والتحفز الذهني الذي يولّد عند صاحبه الشعور بالمسؤولية، لذا نرى صاحب العقل القلق يصعب عليه الاندماج والانخراط في الواقع والاستكانة والاستسلام للظروف والأوضاع، دائم التفكير في كيفية تصحيح وتغيير الواقع للقيام بواجباته وأداء مهامه بابتكار وإبداع، ويخشى أن يقع في الخطأ والزلل والذنوب، ويفكر في شؤون وأحوال مجتمعه وأمته، يقول علماء النفس.. إن صاحب العقل القلق يرى ما لا يراه الناس ويطمح إلى ما لا يطمحون إليه لذلك فإنه يشعر بنوع من المعاناة، لا يشعر بها الإنسان العادي.

إن هموم الكبار - لا نعني الكبير بالسن إنما الكبير بالعقل - كبيرة وعملاقة، وهموم الصغار صغيرة وقزمة، الكبار نعرفهم من همومهم، فكل همّ يهتمّون به يولّد لديهم الهمة العالية، والرغبة النهمة في التخطيط والعمل والانجاز للارتقاء إلى أوج السحاب، وشغلهم الشاغل كيف يؤدون مهامهم بإخلاص؟! وكيف يدنيهم هذا العمل من أسمى غاياتهم وهي رضوان الله سبحانه وتعالى عنهم، والفوز بجنانه.

إن قلق النفس هو نوع من التوتر وعدم الاستقرار والثبات الناتج من الخوف من شيء غامض ومبهم موجود، أو شيء في المستقبل غير موجود، القلق مهم في حياة الإنسان ومطلوب لتوازن الشخصية، ولكنه إن زاد عن حده سيصبح مشكلة وتحتاج إلى علاج، لأنه سيمنع صاحبه من النوم، أو يُضعف إنتاجيته أو يدفعه إلى العزلة.

أحياناً يكون الاستبهام والغموض هو مصدر القلق، وحين نقف على حقيقة ما يُقلقنا يزول القلق، وأحياناً يوقع القلق صاحبه في مصيدة الأوهام، وذلك لاضطراب إدراكه ووعيه، وهنا يحتاج الإنسان إلى مراجعة طبيب نفسي، إن الحياة فرصة للرقي وفيها الكثير من المباهج ومظاهر الفرح والسرور، فلا نستهين بها ونرضى بالعيش على هامشها، ولابد أن نكون على علم ودراية كيف نتعامل معها حتى لا نخطأ فنتنفس أكدارها وشوائبها ومزعجاتها بدلا من صفائها ومهدئاتها.

فلنغير فكرتنا عن القلق وننظر له بالنظرة الإيجابية التي تجعل عقولنا لا تستريح وتستسلم لكل أمر يمر بنا أو نرضى بواقعه من دون أن نطوره نحو الأفضل، ونبذل جهودا إصلاحية وخيرية واضحة ومؤثرة في مجتمعنا وأمتنا، ونتركها بصمة لمن خلفنا، والأهم أن نفهم أنفسنا وتاريخنا وواقعنا والعالم من حولنا، لأن الأفكار والمفاهيم والتطورات العظيمة هي من تجعل عقولنا لا تستريح وتجعل همومنا هموم الكبار العمالقة الذين لا يقبلون العيش على أطراف الحياة متفرجين على سيناريوهاتها من دون صياغة وكتابة ذلك السيناريو بعقول ونفوس زكية لا ترضى بالدونية.

«قال رجل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إنك تقول كلاماً يعيبه عليك السلطان، فلو أنك تحدثت في أمور العبادة... فقال أحمد: إنك من أصحاب العقول المستريحة»!.

[email protected]

mona_alwohaib@