رأي قلمي

دع عنك العتب واللوم...!

1 يناير 1970 01:33 ص
ورد في كتاب «طب القلوب» للإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - حوار القلب والعين، القلب يعاتب العين فقال لها... أنتِ التي سقتني إلى موارد الهلكات، وأوقعتني في الحسرات، بمتابعتك اللحظات، ونزهتِ طرفك في تلك الرياض، وطلبت الشفاء من الحدق المراض، وخالفتِ قول أحكم الحاكمين... «قل للمؤمنين...» سورة النور آية (30).

فاحتجت العين وقالت للقلب... ظلمتني أولاً وآخراً، وبؤت بإثمي باطنا وظاهراً، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك، ورائدك الدال عليك، فأنت الملك المطاع، ونحن الجنود والاتباع، أركبتني في حاجتك خيل البريد، ثم أقبلت علي بالتهديد والوعيد، فلو أمرتني أن أغلق علي بابي، وأرخي علي حجابي، لسمعت وأطعت، ولما رعيت في الحمى ورتعت، أرسلتني لصيد قد نصبت لك حبائله وأشراكه، واستدارت حولك فخاخه وشباكه، فغدوت أسيراً، بعد أن كنت أميراً، وأصبحت مملوكاً، بعد أن كنت مليكاً، هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام وأعدل الحكام عليه الصلاة والسلام، حيث يقول «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب».

الكبد ترد الخصومة على المتخاصمين لما سمعت تحاورهما الكلام، وتناولهما الخصام، فقالت: أنتما على هلاكي تساعدتما، وعلى قتلي تعاونتما، أنا أتولى الحكم بينكما... أنتما في البلية شريكا عنان، كما أنكما في اللذة والمرة فرسا رهان، فالعين تلتذ، والقلب يتمنى ويشتهي، وإن لم تدرككما عناية مقلب القلوب والأبصار، وإلا فما لك من قرة، ولا للقلب من قرار. انتهى كلامه...

كلنا يعلم أن الحب قوت للقلوب، وغذاء للروح، وشفاء للنفس، وعندما أوردت حوار القلب والعين، ليس المراد منه هو تبيان الحكم الشرعي لغض البصر من عدمه، ولكنها كانت لفتة منا لاحتواء من نحب، وإن كان لديك شريك في الحياة وتحبه فلا تختصم معه وتعاتبه، وهو يحتج عليك، وتبحثون عن من يرد الخصومة بينكما، وقد لا يكون منصفا فيظلم أحدكما.

كثير من المشكلات التي تعترض حياتنا، سواء أكانت من المشكلات الأسرية أو الاجتماعية أو حتى في علاقات العمل، سببها الرئيس العتب واللوم والاحتجاج، وعدم تحمل أخطاء الطرف الآخر، لا نقصد بتحمل أخطاء الغير هو إقصاء حقوقنا، أو التنازل عن شيء منها، على حساب أنفسنا، نتحمل زلل وخطأ الأطراف الأخرى بحسب مكانتهم في قلوبنا وعقولنا، ونوعية العلاقة التي تربطنا بهم، وعلى قدر استطاعتنا، حتى لا نكلف أنفسنا ما ليس بوسعها ومقدورها، ولنجعل لنا معيارا نكيل به حاجتنا من الآخرين، ونستند به على طاقتنا ومقدرتنا على تحمل سقطات وأغلاط من يعيشون حولنا، ولنعيش بتوازن نفسي وعقلي من دون أن يطغى أحدهما على الآخر، فتختل الموازيين ونفقد صمام التحكم بانفعالاتنا ونؤنب ونلوم ونعاتب الآخرين على خطأ قد نكون نحن السبب والمسبب له، من دون أن نشعر، وذلك لردود أفعالنا العنيفة على فعل قد لا يستحق التوبيخ والتنديد بأطراف وأشخاص تربطنا بهم علاقات وثيقة ووطيدة، وقد نخسرهم إن لم نتوخ الحيطة والحذر في كل قول وسلوك وفعل يصدر منّا لهم، ويا ليت الخسران يكون لشخص وحدا فقط بل الخصام يتعدى على أطراف نودهم.

لذا اجعل لك باعث ودافع ذاتي يعينك على تقبل أخطاء الغير من غير خسارة لنفسك أو أي فرد من الأفراد الذين يعيشون من حولك، لهذا عندما عاتب القلب العين احتجت، وكان الهلاك والقتل من نصيب الكبد، فاحذرا أن تتخاصما ويكون الهلاك والردى من نصيب أحبابنا.

[email protected]

mona_alwohaib@