المنافسة بلغت ذروتها بين صنّاع الأفلام القصيرة
مهرجان الكويت السينمائي... يمضي في سكة النجاح
| كتب فيصل التركي |
1 يناير 1970
08:41 ص
يوماً بعد يوم، تُثبت المواهب الكويتية الغضة، أنها ليست عابرة سبيل في عالم الفن السابع، بل هي قادرة على وضع بصمتها بقوة، والوصول إلى كواكب بعيدة لم تطأها قدم من قبل، في مجال صناعة الأعمال السينمائية، لاسيما وأن هذه المواهب تمتلك كل عناصر الإبداع والتميز، ولا ينقصها سوى الدعم والتشجيع لتأخذ العلامة الكاملة في اختبار الطاقة الكامنة... سواء كان هؤلاء الموهوبون كتّاباً ومخرجين أو فنانين وفنيين، وغيرهم ممن يستمدون الإلهام والتألق من فنون الأولين، الذين تركوا لهم إرثاً كبيراً من الأفلام الروائية والثقافية، القصيرة منها والطويلة، والتي ظلّت محفورة في الذاكرة حتى يومنا هذا، ولا تزال تتلقفها الأجيال بشغف كبير، كما لو أن تاريخ إنتاجها لا ينتهي أبداً، بل يتجدد في كل عام.
هذا ما اتضح جلياً، في عروض «البرنامج الثاني» من الأفلام المحلية القصيرة، مساء أول من أمس في مكتبة الكويت الوطنية، ضمن مهرجان الكويت السينمائي في دورته الأولى، الذي انطلقت فعالياته في 24 من شهر مارس الجاري، وتختتم فعالياته مساء اليوم.
ويتكون المهرجان من 3 برامج يومية، يضم كل منها قرابة الـ 6 أفلام قصيرة، إضافة إلى فيلم وثائقي طويل.
بالعودة إلى «البرنامج الثاني»، فقد شهد منافسة حامية بين المشاركين، الذين تنوعت أعمالهم بين الدراما الاجتماعية على غرار فيلم «سوزان» وأعمال الفانتازيا كفيلم «في داخلي» وفيلم «اللحن الأحمر»، إلى جانب الأفلام الوثائقية مثل فيلم «خارج الكويت»، عطفاً على الأفلام الوطنية كفيلم «سالفة واحد بالغزو»، إضافة إلى الفيلم التربوي «غشاش».
شهدت قاعة العرض، في مكتبة الكويت الوطنية، حضور حشد جماهيري غفير، من السينمائيين والفنانين والإعلاميين، فضلاً عن حضور باقة كبيرة من محبي الأفلام.
البداية كانت مع الفيلم الوطني القصير «سالفة واحد بالغزو» للمخرج داود الشعيل، وتدور أحداث الفيلم في 5 دقائق حول عسكري كويتي يدعى حمد، يتلقى مكالمة هاتفية من صديق يخبره بالخروج من البيت فوراً قبل قدوم الغزاة، ولكنهم يصلون قبل أن يتمكن من الخروج، ما يضطره إلى الاختباء لبرهة، ومباغتة العدو بسلاحه الرشاش.
الفيلم قدم ملخصاً شاملاً ومختصراً عن حال الكثير من أبطال المقاومة الكويتية، الذين سطروا الملاحم الوطنية إبان الاحتلال، وخطوا بدمائهم الزكية معاني الحب والوفاء لكويتنا الحبيبة. كما نجح المخرج داود الشعيل بنسج حبكته الدرامية بكل اقتدار، حيث توافرت كل عناصر الإثارة والتشويق، لاسيما لناحية الموسيقى التصويرية، التي بدت متناغمة إلى حد كبير مع أحداث العمل.
بعدها، عرض الفيلم التربوي الهادف «غشاش» للمخرج مساعد خالد. وتدور أحداث الفيلم داخل أسوار المدرسة، حول «سليمان»، وهو طالب في الثانوية العامة، يُتهم بالغش أثناء اختبار اللغة العربية، ويضطر لمواجهة وكيل المدرسة ليثبت براءته، ولكي يأخذ درجته الكاملة بدلاً من الصفر، لكن مهمته ليست سهلة على الإطلاق، خصوصاً بعد الرفض المتكرر من جانب الوكيل الصارم لمقابلته. غير أن الطالب «سليمان» يتمكن من إقناع وكيل المدرسة أخيراً بأنه طالب مجتهد وليس غشاشاً.
حمل الفيلم رسائل تربوية عديدة إلى الطلاب ومديري المدارس في آن معاً، مفادها أن الغش لا يبني مستقبلاً ولا يخلق العقول النيرة، كما أن إغلاق لغة الحوار بين الطلاب ومديري المدارس قد يؤدي إلى اتساع الهوة ويزيد الأمور تعقيداً بين الطرفين.
في غضون ذلك، عُرض الفيلم الوثائقي «خارج الكويت» للمخرج إيدن بروكس، حيث يتناول الفيلم في 25 دقيقة أفكاراً وحكايات متعددة لمجموعة من الفنانين الكويتيين الشباب، الذين يسافرون إلى المملكة المتحدة لعرض أعمالهم الفنية في أحد المعارض المرموقة في العاصمة البريطانية لندن، ومن هذه الأعمال الفن التشكيلي وصناعة السدو وفن التصوير المرئي والفوتوغرافي، وغيرها من الهوايات والموروثات الشعبية، التي تلقى تفاعلاً واسعاً في الخارج.
الجميل بالفيلم أنه موجّه للغرب بشكل مباشر، إلى حد أن جميع الفنانين كانوا يتحدثون باللغة الإنكليزية، بغية نقل التراث الكويتي إلى أبعد بقعة في العالم، ولكي تطلع الشعوب الأخرى على العادات والتقاليد الكويتية.
كما قدم «البرنامج الثاني» للأفلام القصيرة، عرضاً للفيلم الاجتماعي «سوزان» وتدور أحداثه حول خادمة من الجنسية الآسيوية تدعى «سوزان غارسيا» تعمل لدى عائلة كويتية، من دون أن تعلم هذه العائلة أن الخادمة مخالفة لقانون الإقامة، فهي جاءت إلى الكويت بجواز سفر مزوّر، وبمعرفة مسبقة من جانب مكتب العمالة المنزلية الذي ساعدها في دخول البلاد، ولكن «سوزان» تجازف بكل ما لديها من أجل حياة أفضل لعائلتها، غير أن المغامرة تصل لاحتمال عدم رجوعها إلى ديارها.
قدم الفيلم خلال 20 دقيقة نموذجاً حياً لمعاناة شريحة كبيرة من الخادمات، ممن أصبحن فريسة سهلة لبعض مكاتب الخدم، كما أضاء على حرية الأديان في الكويت، وتجلى ذلك من خلال تركيز الكاميرا أكثر من مرة على قلادة الصليب التي تضعها «سوزان» على صدرها.
إلى ذلك، عُرض فيلم الفانتازيا «اللحن الأحمر» للمخرجة مريم العماني، وهو من الأعمال القصيرة التي لا تتجاوز مدتها 5 دقائق، إذ بدا كلوحة سريالية بريشة رسام بوهيمي حاذق.
والفيلم يعبّر عن الصراع بين الأمور الجيدة والجميلة في الحياة من جانب، وبين الأمور المزعجة والمشوشة من جانب آخر، فهو يجسد حالات وتناقضات إنسانية مختلفة، من خلال رمز الريشة الحمراء الذي ينقلنا بين بعض المشاهد والأحداث، وهذه التناقضات والصراعات قد تكون بين الإنسان ونفسه، وقد يواجهها مع الناس من حوله، وعامل الوقت الذي يؤدي دوراً كبيراً في حالاتنا ومواقفنا.
أما الفيلم الفانتازي الآخر «في داخلي» للمخرج عبدالعزيز البلام، فقد كان مسك ختام «البرنامج الثاني»، فهو يروي في 25 دقيقة حكاية شاب يعيش في عالم المستهزئين، وعلى إثر ذلك يخوض صراعاً مريراً مع النفس، بين التخيلات والوساوس من جهة، وبين إثبات الذات وإعادة الثقة بالنفس من جهة أخرى، لكنه في نهاية الأمر يستسلم لقدره ويرفع الراية البيضاء بعدما نالت منه الأفكار السلبية.
على جهة أخرى، شهدت المكتبة الوطنية عرضاً خاصاً للفيلم الوثائقي الطويل «سيمفونية للأجيال»، سيناريو وإخراج عبدالعزيز المرشد.
يستعرض الفيلم في ساعتين مسيرة الفنون الموسيقية منذ بدايتها في الكويت، إذ يحتوي على مواد أرشيفية نادرة، كما يعد العمل الأول من نوعه من نواحٍ كثيرة، أبرزها استضافة مجموعة كبيرة من الفنانين من داخل الكويت وخارجها، ممن كان لهم بالغ الأثر في تأسيس المسيرة الموسيقية في البلاد.