7 عروض انطلقت في المكتبة الوطنية

«البرنامج الأول»... دشّن الأفلام القصيرة في «الكويت السينمائي»

1 يناير 1970 08:57 ص
الأفلام تنوّعت بين الغموض والمغامرة والكوميديا... وتألقت في التضحية وحب الوطن
عروض «البرنامج الأول» من الأفلام القصيرة انطلقت.

فقد شهدت مكتبة الكويت الوطنية، مساء أول من أمس، انطلاق العروض المشاركة في مهرجان الكويت السينمائي في دورته الأولى، وكانت البداية مع الأفلام القصيرة التابعة لـ «البرنامج الأول».

شهدت قاعة العرض، حضور حشد جماهيري غفير، حيث عجّ المكان بالعشرات من السينمائيين وعشاق الفن السابع، الذين تسمروا على مقاعدهم طوال فترة العروض، التي امتدت لساعتين تقريباً.

بداية، أكد مدير مهرجان الكويت السينمائي شاكر أبل، أن عروض «البرنامج الأول» للأفلام القصيرة، يتضمن ستة أعمال سينمائية، يتبعها عرض خاص للفيلم الوثائقي الطويل «نموت وتحيا الكويت».

ولفت أبل إلى أن هذه التجربة هي الأولى من نوعها للمواهب الشبابية الكويتية، في مهرجان سينمائي كويتي، متمنياً التوفيق والسداد لجميع المشاركين، ومنوهاً إلى أن الندوات النقاشية ستنطلق بعد كل عرض سينمائي في الديوانية المخصصة لها، لكي يلتقي الجمهور مع صنّاع السينما في حوار مفتوح.

وتطرق أبل في سياق حديثه، إلى الأفلام التي يتضمنها «البرنامج الأول» للأفلام القصيرة، والتي تتنوع بين الرعب والغموض على غرار فيلم«أرياتا» للمخرج أحمد التركيت، إلى جانب الأفلام الوثائقية والموسيقية كفيلم «من المدينة إلى المدينة» للمخرجة هيا الغانم، عطفاً على فيلم«خزعبلات» للمخرج ثامر البديني والذي ينتمي إلى أفلام المغامرة والكوميديا، مروراً بفيلم «الجزء غير المفقود» للمخرج أحمد الخضري، ووصولاً إلى فيلم «لمياء خونده» للمخرج خالد الريس، وهو من الأعمال الوطنية الذي يؤرخ حياة سيدة عراقية كابدت شتى ضروب العذاب والتعنيف من قبل الجيش العراقي بسبب مساعدتها للكويتيين إبان الإحتلال، فضلاً عن فيلم «وينكن؟» للمخرج محمد السعيد، الذي يلقي الضوء على معاناة الشعب السوري.

كانت البداية مع فيلم «أرياتا»، الذي تولى أحمد التركيت مهمة إخراجه، وينتمي إلى أفلام الرعب والغموض، ويغوض في فلسفة النفس البشرية، حيث يتناول الفيلم في 30 دقيقة معاناة شابة تدعى (ريم)، مصابة بمرض تساقط الشعر المناعي (ألوبيشيا أرياتا)، تزور طبيباً نفسياً للكشف عن السر وراء حالتها، لكنها لا تجد حلاً ناجعاً لمشكلتها، التي حيّرت الأطباء، فمنهم من يؤكد أن ما تعانيه لا يعدو كونه أحد الأمراض الجلدية التي تصيب الكثير من البشر في العالم، وهو الأمر الذي ترفض (ريم) تصديقه، حتى تسوء حالتها على نحو تدريجي، بعدما أصبحت الأحلام المزعجة والكوابيس تزورها يومياً، بل جعلتها تعيش في خيالات وأوهام خطيرة، وبعيدة عن أرض الواقع.

ويمكننا القول إن فيلم «أرياتا» سيكون واحداً من الأفلام التي ستنافس بقوة على جوائز المهرجان، فهو عمل فلسفي لا يستهان به على الإطلاق، كما نجح مخرجه أحمد التركيت بالحبكة الدرامية للعمل.

أيضاً، عُرض الفيلم الوثائقي والموسيقي «من المدينة إلى المدينة»، للمخرجة هيا الغانم ومدته 10 دقائق، والذي يسعى إلى إيصال فكرة بداية استمرار الموسيقى والموسيقيين من المدينة القديمة في تطوان في المغرب. وتركز فكرة الوثائقي على مجموعة من الموسيقيين، يطلق عليهم اسم «فرقة هارمونيك فوزيون» برئاسة عبدالرحمن الخمال. ويسلك الفيلم مساراً خاصاً به، يغاير الأعمال السائدة السينمائي، وهو ما يجعله مميزاً عن غيره من الأفلام المشاركة.

تبع ذلك عرض آخر لفيلم «خزعبلات»، وهو من أعمال المغامرة، ولا يخلو من الكوميديا، إذ تدور أحداثه حول أربعة أصدقاء يتوجهون إلى المخيم، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، وبعد انقطاع الكهرباء يبدأ الرفاق في تبادل مجموعة من الحواديت القديمة المقتبسة من التراث الكويتي، بغرض إخافة بعضهم البعض، والذي لا يعلمه الأصدقاء أن الخط الفاصل بين الواقع والخيال ليس بالوضوح الذي نتخيله.

وبالرغم من أن مدة الفيلم لا تتجاوز 20 دقيقة، إلا أن أحداثه غزيرة بالمتعة والتشويق، ويستحق مخرجه ثامر البديني الثناء والتقدير، حيث استطاع وبإمكانات بسيطة للغاية أن يقدم فيلماً سينمائياً ذي قيمة عالية.

في غضون ذلك، شهدت قاعة العرض في المكتبة الوطنية أقصر فيلم سينمائي مدته دقيقتان فقط، وهو بعنوان «الجزء غير المفقود» للمخرج الخضري، حيث تدور أحداث الفيلم حول شاب يرغب في شراء حذاء، ويتمنى العيش حياة طبيعية كسائر البشر.

وربما كان الفيلم قصيراً في مدته، لكنه حمل في ثناياه رسالة واضحة، مفادها «خير الكلام ما قل ودل».

أما الفيلم الخامس، وهو من إخراج خالد الريس وحمل عنوان «لمياء خونده»، فيعتبر ملحمة وطنية في حد ذاته، إذ يروي في 15 دقيقة قصة حياة سيدة عراقية ساعدت الكويتيين أثناء الغزو الغاشم، حيث حجزت وحكم عليها بالإعدام من قبل الجيش العراقي، نتابع مسيرتها حيث القدر يساعدها لتخطي مصيرها.

بينما كان مسك الختام لعروض «البرنامج الأول» للأفلام القصيرة من نصيب الفيلم الإنساني«وينكن؟» للمخرج محمد السعيد.

ففي 15 دقيقة تمكن المخرج السعيد من إلقاء الضوء على إحدى المآسي التي يعيشها الشعب السوري، وهي مأساة النازحين والمتشردين الذين يكابدون الجوع و لسعات البرد القارس في مخيمات اللاجئين، إذ يحكي قصة طفلتين كانتا تعيشان في حب وسلام، وتلعبان «الغميضة» داخل أسوار منزلهما الجميل، الذي كانت تحيط به الورود من كل جانب، قبل أن تتبدل الحال وتفرقهما شظايا الحرب، وتلقيهما في خيام النازحين.

أعقب ذلك، عرض خاص للفيلم الوثائقي الطويل «نموت وتحيا الكويت». الفيلم يجسد الملحمة الوطنية لإحدى شهيدات الكويت، وهي أسرار القبندي وعملها البطولي مع المقاومة الكويتية خلال فترة الغزو العراقي على دولة الكويت، وهو عمل وطني بامتياز نجح المخرج علي حسن خليل في أن يستحوذ على اهتمام المشاهدين طوال الوقت، وكان أحياناً يجعلهم يحبسون أنفاسهم، ويتعاطفون ويغضبون وربما تتساقط دموعهم من هول الكارثة وحجم المأساة. فمشاهد الدمار والخراب التي حلت بالكويت كانت تبعث الأسى في النفوس والغضب في ذات الوقت، فكيف يهجم الجار على جاره وأخيه في العروبة والإسلام ليخرب ويدمر ويقتل بهذه الوحشية.

تميزت مشاهد الفيلم التعبيرية بالتدفق والحيوية والسرعة التي تجعلك تلهث وراء اللقطات أحياناً ثم السكون والهدوء والصمت الذي يجعلك تلتقط أنفاسك، فبين السرعة والهدوء تولدت جماليات فنية في زوايا الكاميرا والظل والنور والموسيقى الهادرة والساكنة وتقطيع اللقطات في شهود العيان بحرفية عالية وخبرة عين متمرسة، فمع كل شخصية نلتقط جانباً من الحدث يستكمل ملامح الصورة البطولية لأسرار القبندي في دراما وثائقية وروائية نتمنى أن تجسد في فيلم روائي طويل بإنتاج ضخم، لتكون رمزاً لأجيال كثيرة من الشباب للحفاظ على هويتنا وتراثنا وسط تيارات العولمة التي تسعى إلى إذابة هذه الهويات وكسر الرموز الوطنية.