نشوة الانتصار على صدام حسين عام 1991 أشعلت موجة من التفاؤل العربي بأن قضاياهم المصيرية في طريقها إلى الحل، وأن عهد الظلم والاستغلال قد ولىّ إلى غير رجعة، وقادت الولايات المتحدة الأميركية الجموع إلى مؤتمر مدريد لمناقشة جميع القضايا العربية، لا سيما قضية فلسطين وهضبة الجولان، وجاء العرب مهرولين تقودهم نشوة الانتصار، وما لم يتحقق بالحرب، سيتحقق على طاولة المفاوضات، وتابعت الوفود العربية تمسكها بتوصيات مؤتمر مدريد لكنهم استيقظوا على طبخة كبيرة نضجت على نار هادئة في «أوسلو» بين عرفات وإسرائيل، وجاءت اتفاقية أوسلو دون مشاورة حتى لأصحاب القضية، ووعدت الفلسطينيين بالأرض مقابل السلام، وقيام الدولة الفلسطينية مقابل دولة اسرائيل، أما عودة اللاجئين، والقدس والأسرى الفلسطينيين وأمور كثيرة فهي مؤجلة الى وقت لاحق، ووقف عرفات مفتخرا بانجازه الكبير وقال انه مستعد لبناء الدولة الفلسطينية حتى ولو كانت فوق جذع شجرة. ولم تبخل عليه إسرائيل فقد أعطته جذع الشجرة وبعضا من الضفة الغربية وغزة وتركته محاصراً سياسيا واقتصاديا، فلا جيش ولا تقرير مصير ولا قدس ولا عودة لاجئين ولا اطلاق الأسرى الفلسطينيين، حتى المساعدات الخارجية ممنوعة إلا بإذن إسرائيل، وفوق كل ذلك مماطلات وتسويفات ووعود ومؤتمرات وخارطة طريق، ولولا بعض جيوب المقاومة التي أزعجتها وتريد من عرفات تخليصها منها، ولولا الانتفاضة الثانية التي خرجت لها من حيث لم تحتسب لما التفتت اليه أصلا.
وللأسف أن الفلسطينيين في الضفة وغزة قد صدقوا بأنهم قد أسسوا دولتهم، وبدلا من ان يسعوا لتعزيز وجودهم انشغلوا بأنفسهم في حرب أهلية دامية تركت اسرائيل في موقف المتفرج الذي يصفق لكلا الفريقين نشوة بما يحققونه من أجلها، وتبخر حلم مدريد وحلم أوسلو وحلم خارطة الطريق، بل وكل شيء.
في وسط ذلك الركام والحطام والموج المتلاطم والظلام الحالك، نادى مناد من مكان بعيد: هلموا إلى بلاد العم سام، بلد الأحلام حيث الحرية وحقوق الإنسان، هلموا لتحصلوا على الجائزة الكبرى التي طالما حلمتم بها ولم تحصلوا عليها سابقا بالحرب والمقاومة، إنها اليوم ستقدم لكم على طبق من ذهب لأنكم تستحقونها فعلا، ان حب العم سام لفعل الخير وسعيه الدؤوب لاقامة الحكم الديموقراطي في بلادكم هو السبب الحقيقي، وبعدما انتهى من أفغانستان والعراق والصومال وحقق النظام الديموقراطي المنشود، لم يبق لديه إلا فلسطين ليكمل إحسانه، ولا تنسوا بأن إسقاط الحزب الديموقراطي الأميركي في الانتخابات الاميركية بعد عام يستاهل ركوب حصان فلسطين والمتاجرة بها كما فعل حكامكم مئات المرات من قبل!!
د. وائل الحساوي
[email protected]