أخيرا وبعد حوار، ونقاش، ومؤتمرات قمة، وخرائط طريق، وتردد، وكر وفر، قررت أن أسلم نفسي لطبيب الاسنان، وأجلس على كرسيه، وأفتح فمي... ونحمد الله اننا في بلد نستطيع أن نفتح أفواهنا كما نشاء، ونحن على كرسي طبيب الأسنان!
استغربت من شجاعتي، وأنا من يتعبني الجلوس على كرسي الحلاق، وإذا جلست فإن الجملة الوحيدة التي أقولها للحلاق «خلص بسرعة»... فما بالكم بكرسي طبيب الاسنان!
في يوم رمضاني، وبعد أن أضناني الشوق لأسناني القديمة، قررت ومن دون أي مقدمات اقتحام عيادة الاسنان، وتوجهت الى عيادة الميدان حاملا شعار « هذا الميدان يا حميدان»، دخلت الى باب العيادة، وأحرقت سفني، حتى لا أتراجع، متخيلا نفسي طارق بن زياد يقتحم أسوار الأندلس، فنحن والحمد لله بلا بطولات ولا صولات ولا جولات، فليكن علاج أسناني نوعا من البطولات، التي سأحكيها لاحفادي مستقبلا!
دخلت العيادة، جلست على الكرسي، كنت بين الدكتور نائل الهزيم وجاسم النجار... وبعد فحص دقيق رقيق، طلب مني الدكتور نائل أن أجهز نفسي، فالمعركة قد بدأت، وسيأمر الرماة بإطلاق ابر التخدير، ليقتحم بـ«درنفيساته» أسوار أسناني المتهالكة!
دخلت المعركة بقلب حديد... وأحسست وأنا الجالس على كرسي التعذيب، بأن الافكار بدأت تتساقط كزخات المطر... فالبعض لاتأتيه الافكار إلا بالسيارة، وآخر في المقهى، وبعضهم بالحمام... أما انا فاكتشفت بأن «كرسي الاسنان» مكان مثالي للالهام او للهلوسة...
بدأت معركتي في رمضان – وما زالت مستمرة – فإن اول هلوساتي كانت، وانا المنسدح، تحت يد الدكتور نائل، وهو مستمتع بخلع اسناني، كانت حول جلوسي في هذا المكان، وسألت نفسي،ما الذي أتى بي الى هذا الكرسي... في هذا البلد الغريب قد يسير الشخص بسيارته، ويقودها بالخطأ ويدخل ديوانية «مخملية» بالصدفة، ويجلس بعدها باسبوع على كرسي الوزارة بالصدفة...وأنا لم تقدني سيارتي الا الى هذا الكرسي!
وعندها تخيلت نفسي وزيرا على الكرسي... والدكتور نائب، يقوم بخلع اسناني... أفقت لحظات من خيالي وتيقنت بأنه ليس خيالا... فوزراؤنا كعادتهم بلا أسنان... ولا يملكون سوى لسان!
عدت الى عالم الخيال... وللهلوسات بقية! جعفر رجب
[email protected]
|