د. وائل الحساوي / نسمات / إن لم تكن هذه مغامرة ... فماذا نسميها؟!

1 يناير 1970 01:30 ص
إنسان أنعم الله تعالى عليه بأسرة وبيت وراتب شهري وحياة كريمة مستقرة، قام برهن بيته أو بيعه ودخل بالأموال التي حصل عليها إلى البورصة طمعا في تحقيق صفقة كبيرة من بيع الأسهم المرتفعة تجعله ثريا مدى الحياة، وقد يكون حقق أرباحا كبيرة لكنه طمع في المزيد إلى أن سقطت البورصة فوجد بأن اسهمه قد تحولت ما بين عشية وضحاها الى أوراق لا قيمة لها، وان بيته الذي رهنه قد ذهب فداء من أجل تسديد ما عليه، وان زوجته وأسرته الذين وثقوا به قد انتقلوا الى الشارع بدلا من البيت السعيد.
ماذا نسمي مثل هذا الانسان؟! وهل هنالك كلمة أقل وألطف من كلمة مغامر؟! بل هو مقامر، بل هو سفيه يستحق الحجر على أملاكه ويمنع من التصرف بها.
نحن لا نقول إن كل من يدخل البورصة من مثل هذا الانسان ولكن لنعترف بان هنالك نسبة منهم من هذا النوع، لا سيما من يتعاملون بالآجل حيث لا يملكون شيئا ثم يراهنون على صفقات في البورصة حتى إذا انهارت البورصة انهارت أحلامهم وباتوا يصرخون ويولولون ويشتمون الحكومة التي لم تنقذهم!! ونحن لا نبرئ الحكومة من دورها في وجوب تنظيم البورصة ومدنع المظاهر السلبية فيها، ومنها منع صفقات الآجل والمارجن وانشاء هيئة سوق المال، وملاحقة الكبار الذين يلعبون بالأسعار ومنع بيع أو شراء أكثر من نسبة محددة من رأسمال أي شركة، ولكن يجب أن يدرك كل متعامل في البورصة بانه هو من يجني على نفسه ان حدث خلل يسقط من قيمة أسهمه ويسبب له الخسائر، وان دور الحكومة رقابي لا أكثر، والتحذيرات من خسائر البورصة كثيرة ومتكررة ولا يكاد يجهلها متعامل بالبورصة.
اما القضية الأخرى فهي ان ما يحدث في بورصة الكويت هو جزء من سلسلة متصلة لبورصات الخليج والبورصات العالمية، ونحن ندرك بأن الأمر خطير جدا، وها هي مئات المليارات التي تضخها الدول الكبرى لانقاذ اقتصادها لا تكاد تؤثر، ومن الطبيعي ان حالة الغرق لتلك السفينة الكبيرة تجذب اليها جميع القوارب الصغيرة، ومن العبث القول إننا لا نتأثر بما يحدث في العالم فنفطنا الذي بلغ 150 دولارا للبرميل قد هوى الى أقل مـــــن ستين دولاراً وعملتنا المرتبطة بعملات العــــــالم قد تأثرت سلبا، والاستثمارات الكويتية في الولايات المتحدة واوروبـــــا التي تبلغ اكثر من 250 مليــــار دولار قـــــد تـــــوالت عــــليها الخســـــائر.
بل ان الكثير من المحللين الاقتصاديين قد عزو ما يحدث في أسواق المال بانه ضربة قاضية للنظام الرأسمالي ودلالة على انه يحمل في جنباته بزور الفشل، وهو نظام يقوم على الفوائد الربوية المركبة وعلى المرونة التي تشجع على المغامرة والمقامرة، وقــــــد كان يكفـــــي لأي مسلم ان يستمع لقـــــول الله تعالى (يمحق اللـــــه الربا ويربي الصدقات) ليدرك بأن الانظمة الربـــوية لهــــا أضــــرار دنـيـــــوية كثيـــــرة وواضحة.
لعل تلك الصدمة تنبه الناس الى ضرورة عدم الانسياق وراء الآخرين واعتبار كل ما يفعلونه مقدسا لا يقبل الخطأ، وان يعملوا على تأسيس نظام اقتصادي مستقل بعيدا عن الربا والمغامرة.
د. وائل الحساوي
[email protected]