| د. فهد سالم الراشد* |
تحدثنا في المقال الفائت عن «ثقافة المشروع ومراحل تنفيذه» من وجهة نظرنا، وفي هذا المقال سوف نقدم أنموذجا لمشروع «المدرسة العصرية» لا تعدو كونها مجرد فكرة.
المدرسة- ممثلة بالهيئة الإدارية والهيئة التعليمية أو هيئة التدريس- هي بيئة المشروع، والمشروع هو الطالب، وزمن المشروع السنة الدراسية، وصاحب المشروع الدولة- ممثلة بوزارة التربية - ومنفذ المشروع هو المعلم في المقام الأول، وميزانية المشروع لا بد وأن تكون كبيرة ومجزية، حيث إننا نستثمر في الفرد، وهنا يتساءل الباحث والمستشرف التربوي الأردني الدكتور وليد عبد الحي«هل يمكن أن تتطور الدراسات المستقبلية في الجامعات والمعاهد العربية دون أن يكون هناك تأسيس في المدرسة؟»أ.هـ
ترى أي نوع من المدارس يبحث عنه الدكتور وليد عبد الحي؟ حتما هو لا يبحث عن مدارس مهلهلة المباني شاسعة المساحات يغلب عليها القانون الإداري، تهتم بالحضور والانصراف أكثر من مضمون التعليم، تقيد الطالب ولا تسمح له بإبداء الرأي وحرية التعبير، تصادر فكره وتقمع وجهة نظره وتشتت عقله بالتهديد والوعيد، إن ما يبحث عنه الدكتور وليد عبد الحي، هي مدرسة فكرية عصرية راقية في تعاملها مع الطالب تحترم آدميته وتقدر رأيه، مدرسة تستلهم من الماضي لتبني المستقبل، مدرسة تستطيع أن تبني لك عقولا قادرة على البحث والفحص وعلى التقشير والتنقير، عقولا مؤهلة لاستيعاب كل ما هو جديد على الساحة العلمية، لديها القدرة على التفكير السليم وعلى البذخ في الإبداع والابتكار، وفق معطيات العصر الحديث لكي تنهض بالوطن والأمة.
إن الغاية من فكرة المدرسة العصرية؛ هي إنشاء مدرسة بطريقة رأسية – مثلا – وهي عبارة عن مجمع مغلق يحد من عبث الطالب، ويمنع الغبار والأتربة عند الطلبة المصابين بمرض الربو والتنك والحساسية- لاسيما- في المناطق الصحراوية التي تعاني من هذه الأمراض دوما.
فكرة تقسيم المدرسة الحالية إلى أربعة أقسام أو مبان عمودية لأربع مدارسة مجتمعة معنا تحت مسمى «المجمع المدرسي»، كل مدرسة عمودية في هذا المجمع تتكون من طابق أرضي للصالة البدنية المطورة بألعابها بدلا من الألعاب التي بلى عليها الزمن وعفت عليها الرياح وهي «طائرة، سلة، يد، قدم»، علينا إدخال صالة الحديد لبناء أجسام أبنائنا الطلبة، علينا إدخال صالة الاسكواش، إنشاء ملعب تنس أرضي إنشاء النادي المدرسي للتعارف والخدمة الذاتية للطلاب والتسلية «لعبة البلياردو ولعبة البي بي فوت» النادي التكنولوجي لوسائل التواصل الاجتماعي عبر السوشل ميديا، لنحرك عقول أبنائنا، آن الأوان أن نبحث عن علماء في هذا الجيل الصاعد.
ويشاطر الطابق الأرضي إدارة الأمن والسلامة توزع على الطوابق كلها، بدلا من مراقبة المعلم اليومية «حبذا اعتمادنا على العسكريين المتقاعدين مبكرا أصحاب الشهادات، فهم الأولى والأقدر على التفاهم والتجانس مع أبنائنا الطلبة، وهم مستقرون أسريا واجتماعيا وماديا مما ينعكس على أدائهم المتميز في التعامل مع الطلبة»، وهي فرصة لإنشاء شركة أمن وسلامة كويتية.
الطابق الأول يخصص للإدارة المدرسية والمكتبة؛ ينبغي تفعيل دور المكتبة التي تعد عصب الحياة التربوية والعلمية والثقافية. مع توصيتنا بإنشاء «مكتبة الصف» فقد قمنا بها سنة 2001، في ثانوية عبدالله العتيبي بالخالدية ونجحت الفكرة، هذا الطابق يحتوي أيضا على قسم خاص للاختصاصي الاجتماعي يضم رئيس القسم تخصص خدمة اجتماعية أو اجتماع، وباحث تخصص علم النفس، وباحث تخصص علم الفلسفة.
الاختصاصي الاجتماعي يجب أن يكون ابن البلد لأنه ابن البيئة؛ فهو العارف والملم بمشكلاتها، وهو القادر على حلها والمحافظ عليها من التفشي، هو الأمين على حفظ كثير من الآفات والأمراض الاجتماعية الدخيلة التي غزت البيوت بسبب العولمة التي لم تعرف عقولا ناضجة تعرف كيف تتكيف معها وتستفيد منها، فلا يخفى علينا أن لكل بيئة سمات خاصة بها، وليست بيئة أي دولة عربية بدعا من البيئات الأخرى في شيء من حيث المشكلات الاجتماعية، ولكن قد تختلف بيئة عن أخرى في سلوك أفرادها بعض الشيء، ويجب أن نضع في الحسبان أن المجتمعات العربية تتفاوت في طرق العيش والتعاملات واللهجات وغيرها، وكل ذلك ينعكس على سلوك وتصرفات أبنائها الطلاب؛ فيجب على من يتعامل مع مشكلاتهم الدراسية أن يكون ابن البلد «ابن البيئة»، ونعني به الاختصاصي الاجتماعي في المدرسة، لما لهذا التخصص من أهمية كبرى في التوعية التربوية والأخلاقية ولاسيما – في عملية نضج الطالب وتوجيهه وإرسائه إلى بر الأمان، وبما أن اللغة هي وسيلة للتخاطب والتواصل خاصة في المرحلة الابتدائية، فهناك ضرورة قصوى تحتم علينا تعيين اختصاصي اجتماعي من أبناء البلد، لسبب وجيه وأساسي وهو عامل اللهجة الدارجة التي اعتاد عليها الطالب من البيت ومحيطه العائلي والبيئي، فالطالب في هذه المرحلة العمرية لا يفهم ما يقال له من الاختصاصي الاجتماعي إذا كان من بلد آخر، ولن يستطيع التلميذ في هذه المرحلة أن يرقى إلى مستوى اللغة الفصيحة؛ لذا أرى أن العبء الكبير الذي يقع على عاتق الاختصاصي الاجتماعي لا بد أن يحمله ويتحمله ابن البلد؛ فهو الرابط بين التلميذ وإدارة المدرسة والبيت. ولا أظن هذا سوف يقلل من شأن الاختصاصي الاجتماعي إذا كان من أي جنسية أخرى، ففي كل بلد ننصح بأن يكون الاختصاصي الاجتماعي ابن البلد والبيئة.
الطابق الثاني يخصص للفصول الأولى، والطابق الثالث يخصص للفصول المتقدمة؛ على أن يوضع في كل طابق ثلاجات ذاتية الخدمة تشبع رغبات الطالب «سندوتشات، شوكولاتات، شيبسي، عصائر ومشروبات غازية»، وهي متوافرة ومعمول بها في الجامعات والمطارات وكثير من وزارات الدول ومؤسساتها، وهذه الطريقة أفضل بكثير من نظام المقصف والتخوين بالاختلاسات والاتهامات بالسرقة التي تشهدها كل سنة دراسية. وإحالة بعض الإدارات المدرسية إلى التحقيق؛ فكم من مدير مدرسة أو مدير مساعد أو معلم أو طالب انزلق في متاهات مقاصف المدرسة واختلاساتها وباتت التهم ضبابية وجزافية، التي لا تليق في الحق التربوي.
أيضا في كل زاوية من زوايا هذه الطوابق سلالم تحت إشراف إدارة شركات الأمن والسلامة؛ ليتفرغ المعلم لمادته العلمية والالتقاء بطلبته واكتشاف مواهبهم. مراعاة الوقت: مراعاة مواعيد العمل في اليوم الدراسي وربطه بالعامل الجغرافي... (الكويت مثلا يجب تقديم ساعة اليوم الدراسي بحيث يبدأ من الساعة السادسة صباحا وينتهي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا، مراعاة لمناخ الكويت، فكل الدول تسير في توقيتها وفق مناخها الجغرافي. وفي هذا الوقت سوف يتسنى للطالب النوم مبكرا والاستيقاظ مبكرا، ويتسنى له أداء صلاة الظهر وتناول وجبة الغداء وأخذ قسط من الراحة «القيلولة»، وبذلك سوف يحتفظ بيومه كله).
فائدة: كثيرا ما نقرأ عن مضايقات تلاميذ المرحلة الابتدائية المتقدمة ونعني «الصفين الرابع والخامس» لمعلماتهم، وكثير من المعلمات يعجزن عن السيطرة على الفصل أو ضبطه، لذا نقترح تقسيم مدارس الابتدائية الحالية إلى قسمين من بابين مختلفين وبإدارتين مستقلتين. الثلاث سنوات الأولى تؤنث إداريا وتعليميا، والسنتان الأخريان تذكرا إداريا وتعليميا، وحتى لا ينتقل التلميذ من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة طالب في المتوسطة وهو ما زال يخطئ في مناداة المعلم، وأيضا لكي يتعلم شيئا من خشونة الرجال.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]