صدى / خارطة العولمة ... وأبعاد الهيمنة

1 يناير 1970 02:10 م
استخدام مصطلح العولمة في السنوات الأخيرة ازداد شيوعاً في حين مازال مفهومه يكتنفه الغموض في ذهن البعض بينما ينظر إليه آخرون من وجهة نظر سياسية على أنه مجرد واجهة أخرى للهيمنة الأميركية، لكننا نرى أن هذا النظام العالمي الجديد الذي يزيل الحدود بين شعوب العالم يجعل من العالم قرية كونية صغيرة فهي العولمة التي شهدت في السنوات الأخيرة تنامياً سريعاً. وأصبحت من أكثر المصطلحات المعاصرة انتشاراً وغموضا في الوقت نفسه.

تدور في هذه الآونة تساؤلات حول معنى العولمة حيث كثرت الأقوال واختلفت التعريفات الإصطلاحية لها، وبدت صياغة تعريف دقيق للعولمة مسألة شاقة لتعدد تعريفاتها، وقد لا يوجد تعريفاً جامعاً يحوي جميع التعريفات لغموض مفهومها، ولاختلاف توجهات وأفكار من يعرَّفونها، واختلاف وجهات الباحثين وانحيازاتهم واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضاً أو قبولاً فكان لأهل الاقتصاد تعريف، ولأهل السياسة تعريف مغاير، ولأهل الاجتماع أيضاً وجهة نظر وهكذا، كما أن تعريفاتهم تختلف من شخص لآخر، بسبب تعقيدها وتشعبها وتعدد جوانبها، بل اكتفى بعضهم بتحديد المعنى ومعرفة أبعاده ومضامينه.

يذهب علماء التاريخ إلى أن العولمة ليست وليدة اليوم، بل هي عملية تاريخية قديمة مرت عبر الزمن بمراحل ترجع إلى قرون مضت اقترنت بتطور النظام التجاري الحديث في أوروبا ثم ولادة نظام عالمي متشابك ومعقد عرف بالعالمية ثم بالعولمة، كما أن هناك فرقاً بين العالمية والعولمة، فالعالمية انفتاح على العالم واحتكاك بالثقافات مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها دون فقدان الهوية الذاتية لكن العولمة طمس للهوية.

العولمة ما هي إلا لفظ جديد نشأ مع العصر الحديث وتكون بما أحدثه العلم من تطور وخصوصاً بعد بروز الإنترنت والذي أتاح مجالاً واسعاً في التبادل المعرفي والمالي، ليصبح العالم في حجم قرية إلكترونية صغيرة ترابطت بالأقمار الصناعية، والاتصالات الفضائية،وقنوات التلفزيون الدولي باعتبار العالم بمثابة قرية صغيرة موحدة ومتجانسة نتيجة لسرعة الاتصالات والإعلام الإكتروني ويصور العولمة وكأنها ظاهرة تلقائية تحدث عفوياً بين الدول، وليس خلفها جهات توجهها وتسيرها.

أما المعنى المعلن للعولمة، في ذلك خداع خطير فالمعنى الخفي غير ذلك وفيه بعد عن مفهوم العولمة الذي يدعو أساسا إلى نهاية سيادة الدولة والقضاء على الحدود الجغرافية، وتعميم مفهوم النظام الرأسمالي واعتماد الديموقراطية كنظام سياسي عام للدول، ولكن التقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاج في الأسواق العالمية أدت إلى تكوين هذا المفهوم.

لا أحد ينكر دور العولمة في انتشار المعلومات والثقافة بين البشر، وثورة المواصلات والاتصالات والتطور العلمي والتكنولوجي الذي أفاد كل مجالات الحياة، وفي جعل العالم قرية كونية صغيرة.

وبالرغم من إيجابيات ذلك لا تخلو العولمة من أخطار على المجتمعات من حيث إلغاء النسيج الاجتماعي للشعوب وتدمير الهويات القومية والثقافية، وزيادة الدول القوية غنى والفقيرة فقراً، والقضاء على الطبقة الوسطى وارتفاع نسبة الفقر والبطالة في العالم فيكون هناك فقر فاحش أو غنى فاحش،وأيضاً تفتيت الدول والكيانات إلى دول ضعيفة وهزيلة، والآثار السلبية التي تسببها آثار المصانع والتقدم التكنولوجي على البيئة، وهيمنة الثقافة الاستهلاكية عند بعض الدول، وانتشار أعمال العنف من جراء انتشار الأفلام الهابطة وغير الهادفة.

إن مفهوم العولمة لابد وأن يتجاوز البداهة الظنية القائمة في سيادة الاعتقاد القائل بأن نشاطها محصور في المؤسسات المالية العالمية بالمعنى الاقتصادي الصرف، ليمتد ويشمل جوانب الحياة السياسية والثقافية والحضارية، فالانتشار العالمي لكل شيء وأي شيء هو في أبسط معانيه تبعثر وتفكك إلى ما لا نهاية.

* كاتبة كويتية

[email protected]

انستقرام suhaila.g.h

تويتر suhailagh1