رواق

صديق الكل

1 يناير 1970 12:35 م
«ليه كل الناس تصادق كل الناس؟»...

سؤال صعب رغم بساطته ورغم انه غير مطروح في ظل الحراك الاجتماعي السريع الذي جعل الكثير من الأشخاص يصادقون أبناء أصدقائهم القدامى ليس استمراراً لصداقة أصدقائهم وأبناء أصدقائهم بل لأن أصدقاءهم كبروا عليهم وجاء دور أبنائهم الذين على مقاسهم...

الظاهرة العمرية والتصابي بالصداقات تأتي على سبيل المثال في محيط ظاهرة أكبر وهي كثرة الصداقات الموسمية أو أصدقاء الغفلة العابرون في حياتنا والذين يظهرون كولي حميم بُعث من رميم ثم يختفي منها كسراب لا ذنب له بل الذنب ذنبنا عندما تخيلناه لعطشنا.

الصداقة ليست فندقاً كبيراً تختار الإقامة فيه إعجاباً، وترحل منه ضجراً، والأصدقاء ليسوا نزلاء أو أعضاء نادي نخبة، الصداقة الحقيقية شراكة عقل وروح، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف.

والمعضلة الحقيقية تكمن في تداخل المفاهيم بين مفهومي الأصدقاء والمعارف، فالأول شركة مساهمة والثاني شركة مقفلة بلغة العصر لذلك يقول أرسطو صديق الكل صديق لا أحد هو ليس صديقا حقيقيا إذاً؟

فالصديق الحقيقي على سبيل المثال لا الحصر هو ذلك الشخص الذي تحفظ رقمه ولا يضيع من ذاكرة هاتفك حين تستبدله، وهو الشخص الذي عندما يغيب شهوراً تتحدث معه وكأنك ودعته البارحة، أو كأنه لم يغب رغم أن غيابه يوما يمر عليك كشهر.

الصديق الحقيقي هو ذلك الذي يدافع عنك قبل أن يسألك عن صحة الاتهامات المنسوبة إليك، هو ذلك الذي يسمع سرك الذي يحفظه حين يفشيه الناس، وكأنه لم يعرف عنه من قبل لشدة صدمته يبدو كآخر من يعلم وهو أول من يعلم...

الصديق الحقيقي لا تأخذ موعداً لتلتقيه حين تحتاجه بل هو لا يحتاجك لأنه سيجدك في انتظاره قبل وصوله...

الصديق الحقيقي الذي يصادق نفسه، ويصدق معها قبل أن يصدقك أو يصادقك لأن فاقد الشيء لا يعطيه...

الصديق الحقيقي عندما نفقده لن تستطيع كل دورات طاقة الجذب تعويضه، ولا ورش تطوير الذات السد في مكانه ولا كل الأطباء النفسيين يملأون فراغ الفضفضة إليه... وعود على بدء في الجواب عن السؤال: لأن لا أحد صديق أحد.

reemalmee@