قيم ومبادئ
كيف نعرف المتشدق بالإصلاح
| د. عبدالرحمن الجيران |
1 يناير 1970
07:10 ص
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} الصف 2 - 3.
لاحظ معنى الآية الكريمة، وتأمل في حالنا اليوم ستجد أننا، ما أكثر ما نقول وما أقل ما نفعل؟ فهل تساءلت، أتليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ وهي من أكبر المقت عند الله تعالى أن يقول العبد ما لا يفعل؟ وانظر إلى مشاريع الإصلاح وبرامج الأحزاب وشعارات الثورات؟ وأين ذهبت؟
ولهذا نقول ينبغي للذي يأمر بالإصلاح وبمكافحة الفساد أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر والفساد أن يكون أبعد الناس منه، ولهذا قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} البقرة 44. وقال شعيب عليه السلام {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} هود 88. وهذا نبي الله شعيب - عليه السلام - لما دعا قومه إلى فعل الخير وترك المنكر، قال لهم لن أخالف مبدئي وسأكون أول المبادرين في العمل! واليوم لو نظرنا إلى كثرة الآراء والمقالات والمواقف التي تحث على الخير وربما تجد الإنسان القائل يمدح نفسه بذلك ويتنزه عن الشر، ولكن حاله على العكس فتجده لا يعمل الخير وهو ملوث بالشر ومتصف به... فكيف نرجو بعد ذلك الإصلاح؟
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} البقرة 204.
وهذا آية واضحة ودالة على المقصود وهو أن الله تعالى يحذرنا من الاغترار بأقوال الناس أو هيئاتهم أو شعاراتهم ولا نكتفي فقط في الحكم على الإنسان من خلال أقواله، ذلك لأن الأقوال المجردة ليست دليلاً على الصدق أو الكذب أو الصلاح أو الفساد حتى تقترن بالأفعال وتصدقها. كما أن الأفعال المجردة لا يمكن التعويل عليها بل لا بد لنا من ثلاثة أمور في الحكم على الأشخاص، نرى أقواله وأفعاله وقرائن الأحوال حتى تتضح الصورة ويكون حكمنا عليهم مطابقاً للواقع وبعدم اعتماد هذا الميزان سيختلط عندنا الغث بالسمين.
وجاء في السنة المطهرة في حديث الإسراء والمعرج المشهور وفيه قال صلى الله عليه وسلم (مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت ما هؤلاء قال هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون) مسند أحمد بن حنبل...
قلت وهؤلاء ما أكثرهم اليوم! في الفضائيات والمساجد والندوات وما أسوأ تأثيرهم على الشباب حين يملأون الدنيا صراخاً وتهديداً ووعيداً. وفي الحقيقة لا نجدهم في العير ولا النفير! وانساق وراءهم الشباب كالقطيع من دون وعي ولا أدنى تفكير! وهكذا كثيراً من السياسيين المشهورين بل والديكتاتوريين الذين ورطوا شعوبهم وأتباعهم من بعدهم بسبب غوغائيتهم وديماغوجيتهم.
فأين قيم المتشدقين بالإصلاح؟