إن اختلفت الآراء والمواقف تجاه أي استجواب تظل حقيقة واحدة ثابتة، وهي أن المواطن هو المستفيد أولاً وأخيراً. فسواء إن كان المستجوِب (بالكسر) على حق أم يريد صيداً انتخابياً ليوم التصويت، يظل المواطن هو من يتسلم المنفعة إما لاكتشافه الصورة السيئة للوزير، وإما هشاشة موقف النائب، أو الاثنين معاً، إلى جانب إماطة اللثام عن خفايا تخرج من بين ثنايا المناظرة.
نعود بعد هذه الانطلاقة إلى تحليل الاستجواب الإسلامي المقدم من السلف للوزير «الصوفي». تهديد الإسلاميين، وخصوصاً فريق السلف لوزير الأوقاف عبدالله المعتوق مضى عليه مدة طويلة، الأمر الذي يُعطي للتحليل موضوعية ومصداقية قد تفتقر إليها الاستجوابات الأخرى. فالوزير ومنذ تسلمه لوزارة الأوقاف عام 2003 وهو في تسابق مع الكتلة السلفية، فما سر هذا العداء؟
الانتكاسات التي تعرض إليها الخط السلفي المتشدد هي السبب الحقيقي لكل ما نزل بالمعتوق من تهديدات ومساءلات نيابية. فوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية فعل الكثير منذ تسلمه الوزارة حتى أصبح المتهم الأول، ويداه ملطختان بدماء تطفيش السلف. أكثر هذه المواقف إيلاماً مواجهته وتدويره للكوادر السلفية في أمانة الأوقاف (الدجاجة التي تبيض ذهباً) والتي تقدر ميزانيتها بالمليارات. وعلى مستوى الخطابة فالوزارة شنت حملة طرد طالت عشرات الأئمة صيف العام الماضي، كما أنها تبنت برامج تدريبية أوائل العام نفسه لتأهيل الخطباء كخطط لمحاربة التطرف. لم يكن للمعتوق مواقف سلبية تجاه السلف المتشدد في داخل الوزارة فحسب، بل شعر الجميع بها في الخارج أيضاً، وقد تكون خطوة منع الوزارة لكتب الشيخين بن عثيمين وابن باز بدايات هذا العام مازالت حاضرة في الأذهان. وإن أخذت موضوع «معبد» البُهرة البارز هذه الأيام بالحسبان، تتكون لديك صورة كافية عن صورة الوزير لدى الكتلة السلفية.
لو عدنا إلى صحيفة الاستجواب المقدمة لرأيناها تحتوي على أبواب متعددة، إلا أنها جميعاً يُمكن حصرها تحت بند «المخالفات المالية». نتساءل إذاً أين كنتم طِوال هذه المدة؟ وضمن السياق نفسه: نتساءل لِم امتنع الدكتور وليد الطبطبائي عن طرح الثقة بوزير المالية السابق محمود النوري عام 2004 مع ما حمله الاستجواب من كشف لفضائح مالية ضخمة كمشروع أبو فطيرة وأموال القمار «السحت» في كازينو لبنان، ذاك النقاش الذي عجزت فيه الحكومة عن الإتيان بمتحدث مؤيد لها سوى خلف دميثير؟
المقصود هنا توجيه نظر القُرّاء إلى محفزات الحس الوطني لدى «النواب السلف». الاستجواب حق دستوري وندفع به لتتكشف الأسرار، ولكن ملاحظة تسترعي الانتباه، وهي أن هذا الاستجواب والذي لم يحظ بمباركة جميع أفراد التكتل الإسلامي (الراي 22/10/2007) لا يُقصد من ورائه الإصلاح بقدر رأس المعتوق. وصدق مطر حين يقول:
«أوجز لي مضمون العدل ولا تَفلِقني بالعنوان
لن تقوى عندي بالتّقوى ويقينُك عندي بُهتان، إن لم يعتدل الميزان».
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
[email protected]