خواطر تقرع الأجراس / قل و... قل

1 يناير 1970 05:08 ص
قلْ: سوّغَ، وقلْ: برّرَ

يعترضون على من يستعمل الفعل «برَّرَ» بدلاً من سَوَّغ، فنقول: برَّرالمذنب خطأَه تبريراً؛ أي قدّمَ أعذاراً وأسباباً و«تبريرات» تبيحه. ويرون أن الصواب «سوَّغَه» تسويغاً. وتضع المعاجم الحديثة تعليقاً أن: برَّرَ مُحْدَثة! ماذا تعنيه كلمة مُحدثة؟ إنها يا سادة مما استحدثه الإنسان العربي الكاتب العاقل، واللسان الفصيح الناطق، للتعبير عن الأفكار والموقف. مَن استعملها أولاً ؟ وكيف؟ ولماذا؟ المهم أنها شاعت وسادتْ ونزلت في المعاجم الحديثة، وبهذا كسبت لغتنا فعلاً جديداً مع اشتقاقاته: برَّر تبريراً، فهومبرِّر «رغم أن المُبرِّر من الضأن ما في ضرعها لُمَعٌ بيض وسود»، وهذا العمل مبرَّر، وتلك مبرِّرات مقبولة، وتبريرات منطقية.

فلنرجع إلى المعاجم القديمة. الجذر الثلاثي برر فيها لا يفيد، مباشرةً، معنى التسويغ لعملٍ ما، حتى يُقبَل. بحثت في معظم المعاجم القديمة كاللسان والتاج والقاموس المحيط ومقاييس اللغة... فلم أجد له معنى التسويغ مباشرة. لكنني وجدت بعض الإيحاءات والظلال في شروح المادة وتفرعاتها. من ذلك مثلاً: بَرَّ حجُّ فلان: قُبِلَ. وبرَّ اللهُ حجَّه وأبرَّه: قبلِه، وحجة مبرورة: مقبولة قبول العمل الصادق. وهو فعل لازم ومتعدٍّ. وبرَّره: «وزكّاه». وبرّتْ يمينُه، وبرَّ في يمينه إذا صدق. وأبرَّ عليهم: غلبَهم.

فالمدقق في ظلال المعاني المعروضة يجد معنى القبول، والتصديق والتزكية والغلَبة... فكأن المرتكب خطأً ما، يريد من الآخرين قبول حججه، وتصديقه، وتزكية خطئه إلى القبول به؛ فيتم له بذلك الغلبة على من احتج على خطئه!

اللغة سرُّ من أسرار التداول الإبداعي، يُستَنبَط من روح المعاجم وظلال معاني الجذور، لا من ألفاظها المباشرة فقط.

هذه هي قصة برَّر. لقد حصل الفعل على تسويغات «مُبرَّرة ومبرِّرة»، فنال صك البراءة!

وإلى قول آخر.

* شاعر وناقد سوري