سعيْد عشية «لقاء سيّدة الجبل»: لن نسلّم بالهيمنة الإيرانية

صوت مسيحي آخر في لبنان يجدّد غداً تغليب «العيش المشترك» على «هموم الطوائف»

1 يناير 1970 12:58 م
سعيْد: الموارنة جماعة وليسوا أقلية وعليهم التفاعل مع المحيط وحمْل همومه بشجاعة
منذ انطلاقته العام 2000، حمل «لقاء سيدة الجبل» شعار «الوصْل» بين مختلف فئات النسيج اللبناني، وهو الدور الذي طبع مرحلةً مصيرية من تاريخ لبنان منطلقاً، في عزّ قبضة الوصاية السورية على البلاد، من «المربّع المسيحي» ليتجاوز تقسيمات الحرب الأهلية ومتاريسها الطائفية نحو مساحاتٍ مشتركة، ويشكّل مع «لقاء قرنة شهوان» الرافعة السياسية لنداء المطارنة الموارنة الأول (سبتمبر 2000) الذي أطلق «العدّ العكسي» لـ «الاستقلال الثاني» ولو «عكْس سْير» الموازين الداخلية والخارجية في حينه.

غداً يعقد هذا «اللقاء» خلوته التي تحمل رقم 13 والتي تأتي قبل 5 أيام على الذكرى 12 لاغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري الذي تم «شطْبه» من المعادلة اللبنانية والاقليمية على وهج ملاقاته «المعارَضة» للوجود السوري في لبنان في إطار ما سُمي آنذاك «لقاء البريستول» الذي وُلد تتويجاً لمسارِ «حفْر الجبل بإبرةٍ» الذي اعتمدتْه «سيدة الجبل» و«قرنة شهوان» بوصْفهما أشبه بـ «المكتب السياسي» للبطريرك السابق مار نصر الله بطرس صفير، والذي شكّلت المصالحة المارونية - الدرزية في الجبل في اغسطس 2001 منعطفاً بارزاً فيه فتح الباب أمام تَحوُّل «الحرية والسيادة والاستقلال» مطلباً «عابراً للطوائف».

في 9 فبراير 2017 ومن فندق «لو غبريال» (الأشرفية - بيروت)، سيطلّ «لقاء سيدة الجبل» الذي كان انطلق بمبادرة من النائبين السابقين فارس سعيْد وسمير فرنجية، على واقعٍ لبناني «تَشظّت» فيه «فكرة 14 آذار» التي انفجرتْ، في 14 مارس 2005 وبصوتٍ واحد، مسلم ومسيحي، بوجه الوصاية السورية في «انتفاضةٍ مليونيةٍ» لم يسبق ان عرفها لبنان في تاريخه، كرّستْ مصالحةَ المسيحيين مع عروبتهم والمسلمين مع لبنانيّتهم، وهي اللحظة التي كُتبت بدماء الرئيس الشهيد الحريري وصُنعت بإرادةٍ داخلية جامِعة لاقتْ في جانبٍ منها المناخ الدولي المعبّأ ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد و«عاندتْ» المناخ نفسه في جانبٍ آخر.

ويجد «لقاء سيدة الجبل» نفسه وكما في مرات عدة في الأعوام الـ 12 الماضية أمام تحدي محاولة تقديم «خريطة طريق» للخروج مما اعتبره الدكتور سعيْد مراراً عودة الى «المربّعات الطائفية» وانجراراً الى «ملعب» حزب الله ونموذجه بحيث جرىتغليب الهوية الطائفية على الوطنية .

ويكتسب انعقاد اللقاء غداً أهميةً خاصة بتوقيته في غمرة لعبة عضّ الأصابع حول قانون الانتخاب التي تشكّل في أحد وجوهها امتداداً لمنطق القوي في طائفته الذي حكم الانتخابات الرئاسية وفراغها الذي استمرّ نحو 30 شهراً، والتي تتطاير من على جوانبها عناوين طائفية، من تحرير النواب المسيحيين من تأثير الطوائف الأخرى وفق ما ينادي الثنائي المسيحي التيار الوطني الحر و القوات اللبنانية ، مروراً باعتبار النسبية خطراً وجودياً على المكوّن الدرزي، وصولاً الى التلويح ببنود إصلاحية في اتفاق الطائف في سياق حرب السقوف التي تخفي وراءها صراعاً على كعكة السلطة وتَوزُّع الحصص داخل الطوائف وبين أطرافها.

واذا كان قانون الانتخاب يكاد ان يختزل هذه الأيام المشهد اللبناني من بوابةٍ طائفية سلْطوية تغفل ان هذا الملف شكّل خلفية رئيسية في المسرح السياسي لاغتيال الرئيس الحريري الذي بدا عمليةً استباقيةً على وقع المخاوف حينها من موجة حكم أكثرياتٍ في المنطقة تطال سورية ومن شأنها ان تقطع الطريق على مشروع التمدُّد الايراني حتى المتوسط، فإن اللحظة الاقليمية والدولية التي تنعقد فيها خلوة سيدة الجبل حبلى بالتحديات التي يطلّ اللقاء عليها من المقلب اللبناني انطلاقاً من النقاط الثلاث التي تضمّنتها العريضة التي وقّعها أكثر من 220 شخصية سياسية وفكرية وثقافية وإعلامية من مختلف الطوائف، وهي: تنفيذ كامل بنود الطائف السيادية لجهة حصر السلاح بيد الدولة، والإصلاحية لجهة إنشاء مجلس شيوخ يؤكّد الضمانة للتنوع الطائفي ومجلس نواب محرّر من القيد الطائفي بعد إلغاء الطائفية السياسية، كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني. وثانياً مواجهة الهيمنة الايرانية على لبنان والتي تعمل على إعادة تشكيل المنطقة بعيداً عن نظام المصلحة العربية وإعادة تشكيل لبنان بشروط فريق من اللبنانيين. وثالثاً: العمل مع كل قوى السلام والديموقراطية والاعتدال في المنطقة العربية لتجديد معنى العروبة كرابطة ثقافية ذات بُعد حضاري إنساني عصري (...).

وستكون هذه العريضة مدار نقاش في الخلوة التي يشارك فيها نحو 200 شخصية والتي لن تخرج عن الأهداف الراسخة لـ اللقاء لجهة التركيز على جوهر رسالة المسيحيين ودورهم في لبنان والشرق وتظهير خطّهم التاريخي والرؤية المطلوبة لمقاربة المواضيع الوطنية الجامعة. والأبرز في الخلوة غداً انها تهدف الى رفْع صوت مسيحي مختلف وتقديم خيار مسيحي آخر في مرحلة محفوفة بالمخاطر وذلك بعدما برزتْ ثنائية التيار الحر و القوات«التي يعتبر سعيْد انها جنحتْ نحو تغليب الهمّ الطائفي على الوطني، وأيضاً تقديم خيار سياسي آخر بعد التسوية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي والتي يرى (سعيْد) انها استسلام لشروط حزب الله وايران .

وسيحضر في المداولات ما يراه الطبيب الذي اعتزل الطب ويَمضي بين امراض السياسة مظاهر انسحابٍ مسيحي من الحياة الوطنية وكأن ما يجري في المنطقة هو حرب بين المسلمين لا تعني المسيحيين. وبهذا المعنى تأتي الخلوة لتأكيد ان هناك خياراً آخر لدى المسيحيين هو اعتبار ما يجري حولنا جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا الحاضرة والمستقبلية وان لنا دوراً يتجاوز عدد كراسي البرلمان وحصة هذا الحزب او ذاك التيار، وهذا الدور تاريخي يبحث دائماً عن المساحات المشتركة الوطنية مع الآخر المختلف، والمسيحيون مدعوون اليوم الى العودة الى روح لبنان العيش المشترك الاسلامي - المسيحي واستنهاض مَن يشبههم في الطوائف الأخرى من اجل اعادة صوغ هذه المساحة الوطنية التي تشكّلت في لحظة 14 مارس 2005.

سعيْد، الذي يرفض ان يرمي شعلة 14 آذار رغم انتهاء هذا التحالف تنظيمياً منذ ان بات لكل طائفة مرجعاً سياسياً«ولسان حاله ان قضية استقلال لبنان وسيادته ومعناه ودوره وسلمه الأهلي وعيشه المشترك تبقى قائمة ، لا يرى في لقاء سيدة الجبل بديلاً عن ضائع ولا هو طامح الى منصّة توفّر له استمرار الحضور والدور بعد أكثر من عقد تولى خلالها مسؤولية منسق الامانة لقوى 14 آذار.

والنائب السابق الذي يؤمن بأن فكرة 14 آذار لا تسقط إلا من داخلها حين يتهددّ العيش المشترك ومرتكزات الوحدة الوطنية ، يحذّر من اننا نغرق في محلية سياسية قد تعيد فرزنا الى أبشع أيام لبنان بينما المطلوب تقوية مناعتنا لمواجهة المستقبل في ظل توتُّر دولي - ايراني . واذ يعتبر ان لبنان انتقل من الوصاية السورية الى الهيمنة الايرانية ولن نسلّم بذلك ، يرى ان الموارنة والمسيحيين جماعة وليسوا أقلّية وعليهم التفاعل مع المحيط وحمْل همومه بشجاعة، وحمايتهم تكون بتفاهمهم مع لآخر في لبنان والمنطقة ، حذّر من ان التحول من «جماعة» متفاعلة مع محيطها الى«أقلية» خائفة تدخلنا في «تحالف الأقليات» التي تبدأ بقانون انتخاب وقد تنتهي بمطلب الحماية الدولية، مشدداً على ان لقاء سيدة الجبل سيؤكد انتماءه الثابت الى تيار الشرعية التاريخية المسيحيةً والى معنى لبنان الذي عرفناه وكما نريده، ونحن منفتحون على الحوار الداخلي المسيحي ومع نظرائنا في الجماعات الاخرى في إطار معنى لبنان المرتكز على التنوع في الوحدة».