برزت في الآونة الأخيرة اعلانات خاصة بالأفراد الذين لم يحصلوا على الجنسية الكويتية هدفها الدعائي في ان تكون هذه الاعلانات ظاهرة على الساحة الكويتية بدعوى منح الجنسية لكل من هب ودب. وهذه الاعلانات تقوم بها مجموعة غالبها من البدون الذين حصلوا على جنسية البلاد أخيراً. وهذا الأمر أخطر ما يواجه الكويت وما سوف يسبب لها مستقبلاً من دمار وضياع في نهاية المطاف وتفتيت الهوية الكويتية التي قامت على أساسها الدولة، فالتجنيس العشوائي بلغ مداه من الفوضى العارمة في ممارسته، ومعارضة عضو مجلس الأمة الوطني المخلص السيد أحمد المليفي المحترم لعملية التجنيس العشوائي تنبع من خوفه على ضياع البلاد وخشيته من وقوعها في ايدي فئة من أصحاب المصالح الذاتية الذين ليس لهم من الولاء لهذه البلاد ما يعادل حبة من خردل، فقد كان رأي السيد أحمد المليفي يتعلق بالأشخاص المستحقين من البدون الذين امتنعوا عن أخذ الجنسية الثانية منذ تاريخ صدور القانون الخاص بها، وكذلك الذين استشهدوا على الأرض العربية باسم الكويت، بالاضافة الى الذين ذهبوا ضحية الغزو الصدامي للكويت وهؤلاء لا يشكلون عشرات الآلاف الذين يطالب هؤلاء بتجنيسهم، ولا يحتاجون الى فزعة الذين يرفعون اليوم شعارات المطالبة بحقوق الإنسان، لكي تلصق أسماءهم في لوحات الشرف، وكأن الكويت ظلمت هؤلاء الناس، فعملية فرزهم من بين كشوف المدعين بكويتيتهم شكلت عائقاً كبيراً للمستحقين لدى الجهات الرسمية.
وقد أظهر الكشف الأخير الذي تم بموجبه تجنيس الاعداد الضخمة من البدون مدى وقوع الظلم على المستحقين الذين لم ترد أسماؤهم فيه، ما ادى ذلك الى تدخل العضو المحترم أحمد المليفي لايقاف عملية التجنيس العشوائية، ومقابلته صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد - حفظه الله ورعاه - بسبب هذا الموضوع الذي لا يحتاج الى مطالبة الآخرين بتجنيس الأعداد الكثيرة منهم. وعندما علم احد المسؤولين الكبار بالدولة بتلك الأعداد الهائلة فوجئ بضخامتها وقال قولته الشهيرة بأن «البدون ليسوا نبتاً تنبته أرض الكويت كي يصلوا في أعدادهم الى هذه الضخامة»، وهذه حقيقة قائمة يعرفها هذا المسؤول الكبير لتوليه عبر أعوام طوال المناصب الوزارية ولا تخفى عليه أعدادهم ويعرف تمام المعرفة المستحقين منهم وغيرهم من المدعين.
والدعوى المثارة اليوم ليس لها ما يبررها سوى تحطيم هذه الدولة عبر تسلق الطارئين من نواب في البرلمان والصحافة ومراكز الدولة الأخرى في تأييد هذه الدعاوى المشبوهة المختلطة بالوطنية الزائفة التي ترتديها الأحزاب الدينية والتيارات السياسية وغيرها التي جاءت الى البلاد، مع من جاء، تحت مظلة الدين والإنسانية. والكويت اليوم أمست ملجأ لكل من لا وطن له بعد ان كانت دولة طاردة لكافة من وطئ أرضها ما عدا أهلها الحقيقيين الذين ارتضوا العيش فيها بكل جفافها وفقرها وقساوة طبيعتها ومناخها الحار والرطب والمغبر.
فالضعف الحكومي أغرى الذين لا يحملون جنسية الكويت في الهجوم عليها وتفتيت أسسها التي بنتها من العدم، وقد استند هؤلاء المهاجمون لهذه البلاد على بعض الذين حصلوا على الجنسية الكويتية بطرق التدليس والالتواء والكذب بعد أن رموا هوياتهم الأصلية التي كانوا يحملونها من بلادهم التي نزحوا منها الى كويت الخير، وما تقدمه حكومتها من خدمات جليلة لشعبها. وقد اتضح رياء المدعين بصورة جلية لأهل الكويت كافة عندما نجح أحد المرشحين في الانتخابات الماضية بعد حصوله على الجنسية الكويتية ان أقيمت له الافراح والليالي الملاح وعمت السعادة والوناسة والفرفشة وذبحت الذبائح ورفعت الرايات وعلقت الزينات في بلده الأصلي. وفي مقابل ذلك عم الحزن والأسى لسقوط أحد هؤلاء في الانتخابات وشقت الجيوب ولطمت الخدود عندما ذهبت سطوة من كان عضوا في البرلمان الكويتي، وقد صرح مرات عدة بأن معظم أهله يعيشون في بلده الأصلي الذي جاء منه. والحقيقة التي لا مراء فيها ان الكويت ليست في حاجة لمثل هؤلاء كي تمنحهم شرف مواطنتها، وكثيرون منهم يكتب في بعض الصحف الكويتية يهاجمون بمقالاتهم الكويت وشعبها ويدعون بأنهم كويتيون بدون، فإذا كان وضعهم على هذه الصورة من الجرأة والشراسة وسوء الأدب في حق الكويت ومهاجمتها بكل عنف رديء، فما بالنا وقد حصلوا على جنسيتها؟ فحكومة الكويت يجب أن تكون أكثر قوة مما عليه هي الآن وتتخذ قراراً بعيداً عن الضغوطات البرلمانية والاعلامية وهلعها من المؤسسات المدنية وجمعيات حقوق الإنسان العالمية والأمم المتحدة، والمحاولات التي تبذل اليوم بهدف اختراق الحق السيادي للدولة يجب أن يقابله سور من القوة والصمود لصد محاولات اختراقه كلها. كما يجب عليها أن تعمل بشجاعة وشفافية لمنح كل من يستحق الجنسية الكويتية، وتخير الآخرين بمغادرة الكويت الى بلادهم الأصلية التي تعرفها الحكومة تماماً، أو ان يظهروا هوياتهم الأصلية لقيامها بمنحهم الاقامات الضرورية وليس هناك حلول أخرى، والاقتراح بمنحهم الاقامة الدائمة يشكل خللاً في عمل الدولة برمته، فصاحب الاقامة الدائمة كي يحصل عليها لابد ان تكون له جنسية محددة ليتم على ضوئها منحه الاقامة، والشعب الكويتي بكل مكوناته يشجع الحكومة على حل هذه المشكلة المعقدة التي طال أمدها ويهمه أن يحصل كل مستحق على حقه من دون الافراط في حق الدولة وشعبها.
يعقوب العوضي
كاتب كويتي
[email protected]