قبل 15 عاماً بالتحديد، بدأت حياتي الوظيفية كموظف (صغير جداً) سناً ومنصباً في معهد الكويت للأبحاث العلمية، كأول وآخر وظيفة حكومية لي، إن شاء الله!
وبعد شهر من التعيين، بدأت أنخرط مع فرق العمل المسؤولة عن القيام بالأبحاث والدراسات المتعلقة بالإدارة التي كنت أعمل بها، وكان من بين تلك المشاريع تكليف المعهد لإعداد تقرير مفصل عن حالة أحد المباني الحكومية بناءً على طلب الجهة المعنية التابع إليها المبنى، وإلى هنا والكلام سمن على عسل!
كان الهدف من إعداد الدراسة المطلوبة عن المبنى، الذي كلف الدولة عند الانتهاء من أعمال تشييده أواخر الثمانينات نحو سبعة ملايين دينار كويتي، هو الكشف عن سلامة المبنى من الناحية الإنشائية وتحديد مدى إمكانية استخدامه بعد مرور أكثر من 15 عاماً على بنائه!
بدأنا العمل في المبنى الحكومي الذي يقع في منطقة الشويخ في شهر أغسطس (وبمعنى أصح في عز الصيف!)، و كان المبنى المؤثث بالكامل حينها يعد من أعلى المباني الموجودة في تلك المنطقة ويتكون من سبعة أدوار بالإضافة إلى دور أرضي لاستقبال المراجعين وسراديب لاستخدامها كمواقف للسيارات.
ما زلت أتذكر أننا كنا نتنقل بين المكاتب والأدوار والمكيفات لا تعمل والعرق يتصبب منا والكل «يتحلطم» على الكل، وكنا يومياً ولمدة خمسة أشهر، نعد أوامر العمل ونحسب متى يمكننا الانتهاء منها، وبعد انقضاء المهمة كان لا بد من المرور على مطعم فطاير الشويخ كمكافأة على ما تم إنجازه من عمل وذلك بصحبة فريق العمل!
ولا أزال أتذكر أننا وفي آخر يوم عمل في المشروع صعدت إلى مكتب المدير العام في المبنى المهجور، لأجلس عليه منبهراً من حجم التجهيزات المكتبية الموجودة والتي ظلت صامدة طوال هذه الفترة، ومتمنياً في الوقت نفسه أن يتم تجهيز المبنى من جديد والأخذ بالتقرير الذي تم إعداده من قبل المعهد، وحل الإشكال بين الجهة المعنية والمقاول ووزارة الاشغال.
كان ذلك المبنى هو المبنى المفترض بأن يكون المقر الرئيسي للإدارة العامة للجمارك، وإلى هنا وكنت أعتقد بأن القصة قد انتهت!
اليوم، وبعد انقضاء نحو 30 عاماً على تشييد المبنى و15 عاماً على إعداد الدراسة المطلوبة، وبعد أن استقلت من المعهد وعملت في أكثر من ثلاثة جهات أخرى وتزوجت ورزقني الله بالبنين والبنات، ومن الطبيعي بعدها أن أكون قد «شيبت»، ولا أريد هنا أن أكمل إليك عزيزي القارئ سرد بقية أحداث حياتي حتى لا تشعر بالملل، جاءت الطامة الكبرى بعد أن كنت أتصفح جريدة «الراي» في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي!
ففي احدى الصفحات، ورد خبر جاء فيه، «طلبت الإدارة العامة للجمارك من معهد الكويت للأبحاث العلمية إعداد تقرير فني حول مدى إمكانية استخدام مبنى الادارة الذي توقف العمل به منذ العام 1987». وجاء في الخبر نفسه، أن التقرير الذي سيتم إعداده سيرفع إلى مجلس الوزراء «لاتخاذ اللازم بترميم المبنى أو ازالته بالكامل».
هو ذات المبنى الذي تم بناؤه قبل 30 عاماً، وعملت عليه ضمن فريق العمل قبل 15 عاماً، ولا يزال المسؤولون عليه إلى اليوم يبحثون مدى إمكانية استخدامه، لذلك لا يسعني بعد كل ذلك إلا أن أقول، الله المستعان!
Email:
[email protected]