قيم ومبادئ

هل لنا موقع إستراتيجي؟

1 يناير 1970 01:26 ص
ظهر في أثينا منذ القرن الخامس قبل الميلاد مصطلح strategy، وهو مصطلح حربي، حيث كانت القبائل تخطط لحروبها بتوزيع عدد من القادة على البحر ومثلهم على الأرياف ومثلهم وسط المدينة، ومهمتهم الدفاع عن المدينة، ثم تحدث الرومان عن العلوم العسكرية وذكروا ضمن ذلك، كلمة الإستراتيجية.

يمكن عدّ الحربين الأولى والثانية مقياساً للأداء الإستراتيجي وتحديداً لمراحله، حيث تمثل الطور الأول في إدارة مجموعات الجيوش، وهذا ما فعله نابليون بونابرت أثناء حملته ضد ألمانيا عام 1813؛ حيث الصعوبة في متابعة أداء الجيوش في ميدان المعركة، لعدم وجود وسائل اتصال حينذاك.

المرحلة الثانية: وهي الفترة التي ظهر فيها «التلغراف» والسكة الحديد والهاتف والطائرة البدائية، حيث أصبح من الممكن للقيادة المركزية متابعة الحرب، وبدأ التضييق على القادة الميدانيين من خلال الأوامر المباشرة من القيادة بعدما كانوا يتصرفون بحرية قبل اكتشاف الهاتف واللاسلكي.

المرحلة الثالثة: الحروب الحديثة وهي محور حديثنا؛ حيث تتطلب الإستراتيجية حشداً ضخماً لكل الوسائل المؤدية إلى الهدف المنشود.

الدراسات الإستراتيجية بعد الربيع العربي:

المفهوم «الأنغلوسكسوني» والذي أصبح متداولاً في منتصف القرن الماضي يقوم على «الإستراتيجية الكبرى»، وهي سياسة الحرب وتهدف إلى تنظيم كل موارد الأمة وإدارتها من أجل الوصول إلى هدف سياسي. وبمعنى أوضح أن الحرب استمرار للسياسة لكن بوسائل أخرى، هذه العقلية الإنكليزية تسعى للحصول على الكثير بأقل الخسائر ولو اقتضى ذلك شيئاً من الأناة وكثيراً من الدهاء.

أما الأميركيون فحديثهم دائماً يدور حول الإستراتيجية القومية، التي قسموها إلى إستراتيجية الأمن القومي وإستراتيجية الأمن العسكري، فهم من هذه الناحية أكثر تخصصاً من الإنكليز، ويغلب على عقلية الأمريكان عقلية cowboy.

أما عند الروس فجاءت الانسكوبيديا العسكرية، بأن الإستراتيجية هي فن العمليات، ويشمل النظرية والتطبيق وقيادة العمليات في ما بين الجيوش. كما ظهرت الدراسات الإستراتيجية في الصين وتحديداً عام 1956، حين قامت مصر بتدشين العلاقات الديبلوماسية معها، بوصفها أول دولة عربية أفريقية تدشن العلاقات، ومن ثم تلتها سورية واليمن في العام نفسه. وقد صدرت أول وثيقة صينية تعريفية حول الأوضاع في الدول العربية سنة 1955.

الدراسات العربية:

القارئ لهذه الدراسات، يجد الفرق الكبير بين دراسات الجيل القديم والحديث، حيث تتسم دراسات الجيل القديم من المستشرقين أو المبشرين في أواخر القرن الثامن ومطلع التاسع الميلادي بأنها تتميز بالعمق والأصالة بينما تفتقر الدراسات الحديثة إلى هذا.

الدراسات الإستراتيجية الحديثة جانبت الصواب من حيث تسهيل التحولات في الشرق الأوسط وملء الفراغ، حيث إن القيادات الجديدة بعد «الربيع العربي» في المرحلة الانتقالية بددت كل التوقعات بتحول سريع وكامل من الاستبداد إلى الديموقراطية المزعومة، سواء كانت القيادة من المؤسسة العسكرية أم من الأحزاب الدينية، التي لا تعبر بدورها عن مفهوم واحد للإسلام؟ وهذا سيثير الخلاف مستقبلاً، الأمر الذي ينعكس على عدم الاستقرار في المنطقة.

لم تقدم نظاماً اقتصادياً ناجحاً وبديلاً عن النظام القائم ولاسيما في دول «الربيع العربي»، وهذا سيجعل السياسات الاقتصادية في عملية تغيير مستمر إن لم نقل تدهور.