مشهد / كن أنت... تزدد جمالاً
| د. زياد الوهر |
1 يناير 1970
02:07 م
الأول: مقلد لا يُبدع، مغرور لا يسمع، جميل المنظر قبيح المخبر، يرتدي ثوبا لا يليق به، والمال عنده غاية
والثاني: واثق النفس سليم الخطوات، كثير الإبداع قليل الهفوات، يرتدي ثوب القناعة، والمال عنده وسيلة
هذا ما يمكن استخلاصه من كلمات الأغنية التي ألفها الكاتب سيف فاضل وأداها الشاب الكويتي حمود الخضر والذي أطرب مسامعنا بصوته العذب وأدائه الجميل في واحدة من الأغاني الهادفة والتي لا تتحدث عن الحب والغرام والشوق للمحبوب والهيام مما أُتخمت به استديوهات تلفزيوناتنا العربية.
كنت أشعر بنوع من الملل وقليل من الكسل حين اقترح علي ابني الحبيب عبدالعزيز أن أشاهد معه هذا الفيديو كليب والذي أعجبه وأرادني أن أشاطره رأيه فيه.
كانت الأغنية بالنسبة لي مفاجأة سارة أمضيت معها دقائق تشع سعادة وتتدفق بهجة فغمرتني بنوع من الانتعاش وأحاطتني بهالة من السرور النادر عقب سماع الأغنية، وأقرأ معكم بعض كلماتها...
لأجاريهم... قلدت ظاهر ما فيهم
فبدوت شخصاً آخر... كي أتفاخر
وظننت أنا... أني بذلك حزت غنى
فوجدت أني خاسر... فتلك مظاهر
لا لا... لا نحتاج المال كي نزداد جمالا
جوهرنا هنا... في القلب تلالا
لا لا نرضي الناس بما لا نرضاه لنا حالا
ذاك جمالنا... يسمو يتعالى
كن أنت... تزدد جمالا
وأعتقد جازما أن هذه الأغنية تشكل طفرة حقيقية ونقلة نوعية في الغناء العربي الهادف والذي يشنّف الآذان ويطرب النفوس بالألحان ويوصل رسائل هادفة بعيدة عن المجون والجنون والتردي الملحوظ في الفيديو كليب والذي يعتمد اعتمادا كليا على مخاطبة الغرائز بدلا من العقول والألباب.
وملخص فكرة الأغنية أن المرء لا يجب أن يكون نسخة مشوهة عن الآخرين، يقلدهم في كل ما يفعلون وخاصة ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي من تقليد أعمى في كل مناحي الحياة، فتقبلك لنفسك ورضاك بواقعك هو جزء لا يتجزأ من شخصيتك؛ أحبك الناس أم لم يحبوك. أما الرسالة الثانية التي حملتها كلمات الأغنية فهي أن المال ليس شرطا لجمال الروح والنفس بل إن جوهر جمال المرء صفاء قلبه ونقاء سريرته وابتسامته التي يكتسب فيها قلوب الناس ويأسرها.
نعم لا بد من التطور والتغيير بما لا يحيد عن ثوابتنا الأساسية في الدين والثقافة، وهذا يطابق تماما ما قلته في مقالي السابق والذي كان بعنوان «ثقافة الكورن فليكس» والذي ركزت فيه على ظاهرة التقليد الأعمى للغرب والتفرنج حتى فقدنا ملامح شخصيتنا العربية والاسلامية.
إن اعتزازنا بحضارتنا وثقافتنا هو سر قوتنا ومنعتنا ضد كل رياح التغيير العاتية التي تأتينا من الشرق والغرب فإن لم نتمسك بها فستقتلعنا تلك الرياح بكل سهولة وتلقي بنا في مهاوى الردى ونصبح بلا طعم ولا لون ولا رائحة تماما مثل طعام المرضى في المستشفيات.
وبالعودة إلى موضوع المال بحياتنا اليومية فإني لا أعتقد أن هنالك من يختلف معي في أهميته وضرورته لتسيير أمورنا بشكل يلبي طموحاتنا وأحلامنا الكثيرة، فالسعي وراء الرزق أمر مشروع ولم يكن يوما حراما أو ممنوعا، ولكننا نختلف بالتأكيد في طريقة الحصول عليه وأساليبنا المتنوعة وفق قدراتنا العقلية والجسدية وبعض الحظ الذي قد يوفر علينا العناء.
فارتداء ثوب المال لن يضفي لنا سوى جمالا ظاهرا وغرورا سافرا، أما ما خفي فلا يعرفه إلا الله، ولا أظن أن هنالك عاقلا يستطيع الادعاء بأن المال هو سر السعادة وإلا لما أمضى الأثرياء طيلة حياتهم يلهثون وراء المال فيجمعون منه ما استطاعوا تلبية لغريزة الخوف من المستقبل والقلق المتواصل من تقلبات الزمن.
ولكننا هنا نواجه تحديا كبيرا أمام أبنائنا في إقناعهم بأن المال وسيلة سخرها الله لنا لقضاء مصالحنا وليس غاية نمضى حياتنا في جمعه وتحصيله وندوس خلال سعينا خلفه على الكثير من المبادئ والقيم... والناس. إنه تحد كبير كي تقنع شابا بصحة هذا الكلام بعد أن رأى كيف استطاع حملة الشهادات المتواضعة من بلوغ قمة الثراء والشهرة مثل ستيف جوبز وبيل جيتس وميسي ورونالدو وحتى على المستوى المحلي الذي استطاعت فيه الفاشينيستات أن يضربن بعرض الحائط كل جهودنا في تنشئة جيل يتمسك بأصالته وقيمه. وهذا التحدي هو مسؤولية مشتركة تقع على كاهل المنزل ووزارة التربية والدولة بكافة مؤسساتها لتفادي كارثة مقبلة لجيل نطمح أن يكون أفضل ممن سبقه.
إن طرح موضوع القناعة والرضا مدموجا مع موضوع المال يشكل مزيجا فريدا في كلمات الأغنية العربية التي أداها حمود الخضر وألهمتني في أن أكتب هذا المقال ليكون حافزا لنا على التمسك بثوابتنا وألا نركن للخمول والكسل فبناء الأوطان يحتاج للجهد والإخلاص وبالطبع لا بأس في قليل من المال الذي سيعيننا على قضاء حوائجنا الحياتية والنفسية... ولكن لا تنس كن أنت كما أنت.. تزدد جمالا وإشراقا.
شكرا لجريدة «الراي»...
مع نشر هذا المقال، أكون قد أمضيت ثلاث سنوات مع جريدة «الراي» وصفحتها الثقافية التي شكلت بالنسبة إلي منصة انطلاق نحو الجماهير العريضة في دولة الكويت وخارجها، حيث تنوعت مواضيع كتاباتي وتباينت بين الثقافة والسياسة والفن... فشكرا لهم وشكرا لكم ولكل من أمضى جزءا من وقته في قراءة مقالاتي.