حوار / المصور الفوتوغرافي السوري وثّقها في كتاب

عمّار عبد ربّه لـ «الراي»: «حلب ما قبل السقوط»... صُوَر حيّة كسرتْ السكوت

1 يناير 1970 04:30 م
أنا مجرّد مصوّر وليس بيدي أن أغيّر الكثير من الأمور على الأرض

أركّز على الجانب الإنساني الذي يُشعِر المُشاهد وكأن الفتاة المتوجهة إلى المدرسة في إحدى الصور هي ابنته أو أخته
كيف تبدو المناطق السورية في مختلف مراحل الثورة، بدءاً بمرحلة التظاهرات وحلقات الدبكة وغناء الأهازيج، مروراً بمراحل الحصار والقنص والقصف، وصولاً إلى زمن الميليشيات «الإيرانية» على الأرض والطيران الروسي في السماء، وبينهما براميل تنهمر على رؤوس المدنيين؟

حلب التي وصلها «المدّ الثوري» فانتفضت أحياؤها مطالبةً برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، عاشت المراحل الثلاث التي كان آخرها «نكبة» سقوط المدينة الأقدم في العالم وتهجير أهاليها. فكيف كانت يومياتها، إن لم يكن منذ اندلاع الثورة وحتى اليوم، ففي حيّز من ذلك الزمان؟

الإجابة على هذا السؤال يُقدمها المصوّر الفوتوغرافي السوري- الفرنسي ذو الشهرة العالمية عمّار عبد ربّه في كتابٍ تختصر صوره يوميات الحلبيين عبر «شذرات» منها كان التقطها في رحلاته إلى المدينة في الفترة الممتدة بين ربيع 2013 وصيف 2014.

تُظهِر الصور، إلى الدمار والمآسي كـ «كادر» للمكان يوثّق الزمان، ما تغفله التقارير الإعلامية عن المدينة وحياة سكانها، وفيها إلى تظاهراتهم، «تجارتهم» وتجوالهم... لهو أطفالهم، وذهابهم إلى المدارس، وأوجه أخرى ظلّت في كواليس تلك الحياة التي سيطر عليها أخيراً الموت.

عن كتابه «حلب إليهن إليهم سلام»، مضمونه وظروف إعداده، توقيته وآفاقه، كان لـ «الراي» هذا الحوار مع عمّار عبد ربّه بين بيروت وفرنسا:

• لطالما كان إلقاء السلام في البداية والنهاية، فأي سلامٍ تلقيه الآن على حلب؟

- أتمنى السلام طبعاً قبل أن ألقيه، ولكن للأسف أنا مجرّد مصوّر وليس بيدي أن أغيّر الكثير من الأمور على الأرض. أتمنى السلام لأهالي حلب، لرجالها ونسائها وأطفالها. وهذا ما أردتُ التعبير عنه في هذا العنوان.

• أخبرنا عن التجربة، متى قصدتَ حلب وكم من الوقت أقمتَ فيها، وكيف كانت إقامتك وتفاعلك مع الحلبيين؟

- التقطتُ تلك الصور خلال مجموعة رحلات قمتُ بها إلى حلب بين ربيع العام 2013 وصيف العام 2014، ما يعني أن العمل تم على مدى ما يقارب عام ونصف عام.

البعض قد يسأل لماذا حلب وليس أي منطقة أخرى؟ وأنا أقول لأنها رمز لكل ما يحدث في سورية، وذلك من دون أي انحياز. ومآسي حلب هي مآسي حمص ودير الزور وكل المناطق الأخرى..

• كم استمرّت إقامتك داخل الأحياء الحلبية؟

- كل زيارة كانت تمتدّ لنحو أسبوع أو عشرة أيام، أي الوقت اللازم لإنجاز تحقيق صحافي مُصوّر.

• هل كان دخولك إلى المدينة في ذلك الحين سهلاً؟

- إلى حد ما، فمع المعطيات الأمنية والقصف لم يكن الأمر صعباً جداً. الصعب كان اتخاذ القرار بالذهاب إلى حلب.

• كمصوّر، في أي مهمّة دخلت إلى حلب؟

- في البداية لم تراودني لا فكرة الكتاب ولا المعارض، وكان الهدف صحافي بحت. فحلب كانت موضوع الساعة في تلك الفترة، بعد أشهر من دخول الثورة إليها، وبالتالي كان ذلك حدَثاً لا بدّ من تغطيته وتوثيقه.

ورغم أن عدداً من الصحف التي أعمل معها اعتبرتْ هذه الصور حلوة، إلا أن هذه الأخيرة لم تجد طريقها إلى الصفحات ليشاهدها القراء. ولذا، وبعد مضي فترة من الزمن، أحببتُ أن أعرض هذه الصور ليشاهدها الناس، فأقمت معارض عدّة في باريس والدوحة برلين ومدن أخرى. ثم جاءت فكرة الكتاب.

• بين المَشهد كنقلٍ للواقع الصامت، وبين المأساة التي تعكس الفجيعة، هل مازجتْ هذه الصور في رأيك بين واقعِ أنها مشهدٌ صامتٌ في مكان ما وبين ما تعكسه من صرخةٍ إزاء ما يحدث؟

- أهمّ ما في هذه الصور أنها تنقل الواقع. يصدف في بعض الأحيان أن يكون في بعض هذه الصور شيء من الصرخة أو الرمزية. وهذا الأمر يراه المتلقي نفسه ولا يكون هدفاً منذ البداية.

• على سيرة المتلقي، عُرضت هذه الصور في معارض عدّة وأخيراً في الكتاب... كيف تفاعل معها المشاهدون العرب والأجانب؟

- التفاعل كان ممتازاً إجمالاً، وقد ارتسمتْ الدهشة بوضوح على وجوه كثير من الناس. فبعدما قدّمت وسائل إعلام عديدة حلب والثوار فيها على أنهم إرهابيون، فوجئ المُشاهدون عندما رأوا الصور المفعمة بالحياة والنشاط كصور تصوير مسلسل كوميدي وصور رقص الدبكة.

وبالنظر إلى أنني أركّز على الجانب الإنساني الذي يُشعِر المُشاهد وكأن الفتاة المتوجهة إلى المدرسة ـ في إحدى الصورـ هي ابنتهم أو أختهم، كان هناك تَعاطُف كبير ترجمتْه دموع البعض وسؤال البعض الآخر عن كيفية المساعدة.

• إلى جانب الصور المنشورة هناك أخرى ربما لم تُنشر، لكن في الذهن هناك آلاف المَشاهد التي حفِظْتَها بالعين. ما الصور التي لا تزال محفورة في ذاكرتك ووجدانك؟

- كل لحظة أمضيتُها في حلب كانت قوية ومؤثّرة، بدءاً من الإستقبال وصولاً الى الروح المرِحة لأناس يعيشون تحت القصف في منطقةٍ لا ماء فيها أو كهرباء، حيث أذكر هنا تحريف الثوّار لأغنية صباح فخري الشهيرة «كنّا ستة على النبعة إجا المحبوب صرنا سبعة» لتصبح «كنّا مية على النبعة وقع برميل صرنا سبعة».

• شاهدنا أخيراً المأساة التي شهدتْها حلب من حصار وقتل وإعدامات ميدانية، هل شاهدتَ عبر الإعلام زوايا من تلك الاماكن التي زرتَها أو التقطتَ لها صوراً تحتفظ بها؟

- نعم بالإجمال، لكنني لا أتوقّف كثيراً أمام هذه الفيديوات البشعة التي يكون لها غالباً هدف ترويجي خاص أو لتشويه سمعة حلب أو المسّ بكرامة الأهالي. وأنا أفضّل أخْذ الأخبار من أناس أعرفهم في حلب لأطْمَئِنّ عليهم. وأنا أحزن معهم حين أعلم أن أحد الشباب الذين أعرفهم قد استشهد.

• ماذا تقول في نفسك اليوم حين تنظر إلى صورة الشباب الذين يرقصون الدبكة ويرفعون أعلام الثورة؟

- لهؤلاء الشباب، لا أعرف في كثير من الأوقات ماذا أقول. ولا سيما أنه كان لديهم أمل كبير فينا كإعلاميين وأناس في الخارج وكرأيٍ عام عالمي، حيث كانوا يؤمنون بأن الرأي العام العالمي لن يسمح للظالم بالاستمرار. الأمر الذي فشلنا في تحقيقه، وهذا فشل للمجتمع الإنساني.

• أنت مصوّر سوري تحمل الجنسية الفرنسية وموقفك ـ منذ انطلاق الثورة ـ مؤيد لها ومناهِض للنظام، هل تؤدي في رأيك من خلال عملك الصحافي دوراً إلى جانب هؤلاء الثوار، وهل قدّمتَ من خلال توثيق يوميات الحلبيين شيئاً إلى هذه الثورة؟

- «عملت اللي عليّ»، ولكن لا يمكنني تقييم ما قمتُ به. بإمكاني القول إنني قمتُ بواجبي وهو عدم غض النظر عمّا يحصل في سورية وأيضاً عدم الترويج للطغيان الذي استجلب الأجانب لقتل السوريين. لذا من هذه الناحية يمكنني القول إنني قمتُ بما عليّ فعله.

لا أعرف ما صدى هذه الصور، وإن كانت ستعيش لعشرين عاماً أو أكثر أو لا يكون لها أصلاً أثر. هل ستعيش بعد رحيلي؟ ربما. لكن هذا الأمر ليس بيدي، بل بيد المتلقي والجمهور والأجيال المقبلة، فقد يكون ما نعيشه مرحلة تاريخية لا نستشعر أهميتها الحقيقية، وقد يُقال بعد ما يزيد عن خمسين عاماً إننا عشنا بداية الثورة السورية وتغييرات كبيرة في العالم العربي أدت إلى نشوء ديموقراطيات فيه.

• هل كان لتوقيت إصدار الكتاب علاقة ما بما شهدتْه حلب في الآونة الأخيرة؟

- في الواقع، كنّا نعمل على الكتاب منذ عدة أشهر، وبالتالي صُودف هذا التزامن بين الإصدار والأحداث الأخيرة. ونحن كنا نأمل جميعاً ألّا تسقط حلب، لكن هذا ما حدث.

ورغم سقوط حلب، كثر يعتبرون أن لهذا الكتاب أهمية كبيرة لأنه بمثابة شهادة عن تلك الفترة.

• كيف تم انتقاء الشخصيات التي قدّمتْ تعليقات على الصور؟

ـ تواصلتُ مع أناس أعرفهم أو التقيتُ بهم أو تربطهم علاقة قوية بحلب، وعَرَضتُ عليهم الصور وطلبتُ إليهم انتقاء صورة والتعليق عليها، فكتب بعضهم نصوصاً شاعرية وأخرى أكاديمية أو تاريخية أو تجارب خاصة أَرْفقتُها بالصور في الكتاب.