تزامناً مع تحديث الكاميرات وقدرتها على التصوير، وتطور الإنترنت ومواقع التواصل ال
جتماعي الدخيلة على الحضارة، أصبح الجميع قادراً على التحكم بفن التصوير والتواصل مع العالم من خلال جهازه الخلوي، الذي بات أداة متعددة الأغراض, حيث أصبحت الصورة مواكبة وسريعة لأي حدث، وإن أي منا لا يمتلك المقدرات المذهلة سيبدو فقيراً وفاقداً لجزء كبير من أهميته، إلى أن أصبح الحدث لا يكتمل من دون الصورة.
إنه عصر الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والمعرفة، لكنه أيضاً عصر الصورة، التي أصبحت تفرض نفسها على كل الأحداث السياسية والإقتصادية والثقافية والاجتماعية والرياضية والأحداث الأمنية والغريبة، وأصبحت تشكل العقول، وتوجه الفكر، وتصبغ الأخلاق, وتوجه الرأي العام، وتتدخل من مصير الأمم.
نحن الآن نعيش فعلاً في عصر الصورة كما قال ريتشارد كيرني، الجميع محاط اليوم بالصور، وموجودة في كل مكان وكأنها تطارده، في المنازل وفي الشوارع، في المشافي وفي المطارات، في أجهزة الحاسوب وفي التلفاز، في الساعات الرقمية وفي الهواتف الذكية، صور إخبارية ودعائية، صور ترفيهية وعلمية، صور من الماضي ومن الحاضر وأحياناً من المستقبل أيضاً، صور لكلّ شيء ولأي شيء. لتعلن أن اللحظة هي لحظة العين بامتياز، وأن الحواس الأخرى قد انهزمت قبالة هذا المد البصري، حتى الخيال لا مكان له اليوم، لأن الصورة بكل حيل التأثير اكتسحت كل شيء.
وفي ظل ذلك لم يعد ممكناً أن يفكر الفرد في كثير من أمور حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من دون أن يفكّر في الصور التي غزت العقول والقلوب ودخلت إلى أعماق البصر والبصيرة من دون استئذان وغالباً دون وسيط وهذا الارتباط الوثيق بين الصورة وبين حياة الفرد المعاصر يشكل ويلعب دوراً أساسياً في تشكيل الوعي سواء بشكل إيجابي أو سلبي.
ظاهرة طغيان الصورة بأشكالها المختلفة على ثقافة الفرد المعاصر واضحة لا ريب فيها, لأن الصورة لا تحتاج إلى أي جهد ذهني أو حسّي لاستقبالها وتداولها ولا إلى قراءة أي نص، أو حتى الإستماع إلى محاضرة أو مقطع خبري وهو الأمر الذي يجعل من العين في صدارة المشهد المعرفي والتقني والفني.
إن المصور يستطيع بحسب زاوية التصوير أن يعطي انطباعاً عن ضخامة مظاهرات وهي قليلة، أو يزري بأماكن وهي جميلة فلقد كرست الصورة الوعي الزائف من هنا تأتي مسؤولية الفرد في التعامل مع الصورة وفك رموزها وحفظ نفسه من السقوط في سلبياتها حيث لابدّ من التأمل عن كثب وبدقة بنتائج أعماله, فالصورة ليست صادقة تماماً أو بالأحرى حيادية تنتظر الكيفية التي تُستعمل بها وأي مشهد تبقى له براءته حتى اللحظة التي تؤطره إرادة واعية محدَّدة فتعطيه معناه أو العكس تماماً.
لقد أثبتت لنا حركة التاريخ الراهنة أن التلاعب بالصورة يمثل أخطر أنواع الحركات التقنية في العقول والأفكار لذا وجب علينا اكتساب وعي واضح بما يشاهَد وبما يضُخّ أمام الأعين، وهذا الإكتساب لابد من الشروع في تحقيقه منذ سنوات الدراسة الأولى من أجل تحضيرهم للعبة تلقي كل أنواع الصور بذكاء وبفهم للكيفية التي يمكن فيها للصورة أن تتلاعب بهم، من خلال تعليم فن التعاطي مع الصورة، وفن فهمها وأسرارها، وخلق متلقي ذكي مسلح بالمعرفة النقدية التي بات لابد منها في عالم الصورة الذي يعيش ذروة انتصاره على كل العوالم التي سبقته.
كما يوجب أيضاً على الذين يتعاملون مع مادة الصورة، أن يناضلوا من أجل ألاّ تتحوّل من أداة رائعة للديموقراطية، إلى أداة للتلاعب بالعقول والأفكار، وتشكيل وعي مغلوط واصطناعي مزيّف، لا يمتّ للحقائق والواقع بصلة، من خلال إخضاع الصورة إلى عمليات التصنيع والتشويه والتحريف، وسيطرة الإفتراض على الواقع.
* كاتبة كويتية
[email protected]suhaila.g.h
suhailagh1